الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

قوله تعالى ذكره { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } [الآية: 24].

قال الجنيد رحمة الله عليه فى كتاب " رواء التفريط " فى هذه الآية: قرع أسماع همومهم حلاوة الدعوة وتنسموا روح ما أدَّته إليهم الأفهام الظاهرة من الأدناس، فأسرعوا إلى حذف العلائق المشغلة قلوب الواقفين معها، وهجموا بالنفوس على معانقة الحذر، وتجرعوا مرارة المكابدة وصدقوا الله فى المعاملة، وأحسنوا الأدب فيما توجهوا إليه، وهانت عليهم المصائب وعرفوا قدر ما يطلبون؛ فاغتنموا سلامة الأوقات، وسجنوا همومهم عن التلفت إلى مذكور سوى وليهم، فيحيون حياة الأبد بالحق الذى لم يزل ولا يزال، فهذا معنى قوله تعالى: { ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم }.

وقال الواسطى رحمة الله عليه فى قوله: { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }.

قال: حياة [النفس] تصفيتها من كل معلول لفظًا وفعلاً.

وقال جعفر: أجيبوه إلى الطاعة لتحيا بها قلوبكم.

وقال أيضًا: { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال: الحياة بالله هى الحياة وهى المعرفة، كما قال اللهفَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97].

قال بعضهم: استجيبوا لله بسرائركم وللرسول بظواهركم، إذا دعاكم لما يحييكم حياة النفوس بمتابعة الرسول، وحياة القلب بمشاهدة الغيوب، وهو الحياء من الله برؤية التقصير.

قال ابن عطاء: الاستجابة على أربعة أوجه:

أولها: إجابة التوحيد.

والثانى: إجابة التحقيق.

والثالث: إجابة التسليم.

والرابع: إجابة التقريب.

قوله تعالى: { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [الآية: 24].

وأنه قيل: { أَنَّ ٱللَّهَ } إشارة إلى قلوب أوليائه بأن الله يأخذها منهم ويحجبها لهم ويقلبها بصفاته، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: " قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ". فيختمها بخاتم المعرفة، ويطبعها بطابع الشوق.

وسمعت النصرآباذى يقول: القلوب فى التقليب والنفوس فى التنقيل.

وقيل: { يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } أى: عَقلهُ فى التقليب وفهمه عن الله خطابه.

وقيل: يحول بين المؤمن والإيمان، والكافر والكفر، يردهما إلى ما سبق لهما منه فى الأزل.