الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [الآية: 172].

قال أبو سعيد الخراز فى هذه الآية قال: تراءى لأهل الإيمان بالسكون فعرفوه وسكنوا واطمأنوا، وتراءى لأهل الكفر بالتعظيم فطاشت عقولهم وتفرقوا عنه.

وقال يوسف فى هذه الآية: قد أخبر أنه خاطبهم ربهم وهم غير موجودين إلا بإيجاده لهم، إذ كانوا واجدين للحق من غير وجودهم لأنفسهم، كان الحق بالحق فى ذلك موجود بالمعنى الذى لا يعلمه غيره ولا يجده سواه.

قال بعضهم فى قوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } من غير مشاهدة، ثم كوشفوا فشهدوا ما خوطبوا به، فقالوا { شَهِدْنَآ } أى شاهدنا حقائق حقك وقال الحسين: أنطق الذر بالإيمان طوعًا. وكرهًا أنطقتهم بركة الآخذ أحدهم عنهم، ثم أشهدهم حقيقته فأنطقت عنهم القدرة من غير شركة كان لهم فيه.

وقيل: إن توحيد الخاص أن يكون العبد قائمًا بسره بين يدى ربه، يجرى عليه تصاريف تدبيره وأحكام تقديره فى بحار توحيده، بالفناء عن نفسه وذهاب نفسه بقيام الحق به فى مراد منه، فيكون كما كان قبل أن يكون، كما قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } الآية.

قال النصرآباذى رحمه الله فى هذه الآية: مؤيل الأكبر ومالف الأعظم، معافون من السلالة والطين وما بعده من النطف والمضغ أفأنتم فى حملة للأخذ الأول، أم مردودون إلى ميعاد الأخذ فى السلالات والمضغ والنطف، فإن أخذ للأول بأول للأول وهو بأول للأول أول.

وقال النصرآباذى: أخذ ربك تلطفًا وتكرمًا بل أخذه جلالة وعظمة، بل أخذه غنى واستغناءً.

وقال أيضًا: أخذ لا للحاجة بل للحجة فمنع الخلق حاجتهم أن يَرَوا ذرة من معانى الحجة.

وقال أبو عثمان المغربى: وسُئل عنه ما الخلق؟

قال: قوالب تجرى عليها أحكام القدرة، وقال: أخذ ربك من معدن إلى معدن ومن معدن للمعدن.

وقال الجريري فى قوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } قال: تعرف إلى كل طائفة من الطوائف بما منحها من معرفته فقال: { بَلَىٰ } وكلٌ أقر بما مخ ثم أخرجهم من صلب آدم فقال:كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } [آل عمران: 103] وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم:لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [الأنفال: 62].

قال أبو سعيد الخراز فى قوله { بَلَىٰ } قال: من قال حين قال: ومن أين أجابوا عنهم إلا القدرة والنافذة والمشيئة التامة وهل كانوا إلا رسمًا لأحكام مليك.

وهل هم الآن إلا أشباح تختلف عليهم تصاريف تدبيره.

وقال بعضهم: خطب منصوب القدرة فى عين العدم.

قال ابن بنان فى هذه الآية: قد أخبرك أنه قد خاطبهم وهم غير موجودين إلا بوجوده لهم، إذ كان واجد الخليقة بغير معنى وجودها لأنفسها بالمعنى الذى لا يعلمه غيره ولا يجده سواه، فقد كان واجدًا مخاطبًا شاهدًا عليهم بديًا فى حال فنانهم عن بقائهم الذى كانوا به، كذلك هو الوجود الربانى والإدراك الإلهى الذى لا ينبغى إلا له.

السابقالتالي
2