الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

قوله تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [الآية: 48].

قال بعضهم: كلٌ قد فتح له الطريق إلى الله، فمن استقام على الطريق وصل إلى الله ومن زاغ وقع فى سبُل الشيطان وضل عن سواء السبيل.

وقال أبو يزيد البسطامى رحمة الله عليه فى هذه الآية: كما أنه بذاته يحبهم كذلك يحبون ذاته فإن الإله راجعه إلى الذات دون النعوت والصفات.

وسمعت السلامى يقول فى قوله: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } بفضل حبه لهم أحبوه، كذلك ذكرهم بفضل ذكره لهم ذكروه.

وقال: الحب شرطه أن يلحقه سكرات المحبة، فإذا لم يكن كذلك لم تكن فيه حقيقة.

وقال يوسف بن الحسين: المحبة: الإيثار.

وأنشدنى فى معناه الحسين بن أحمد الرازى قال: أنشدنى أبو على الرُّوذابارى لنفسه:
سَامَرتُ صفو صبابتى أشجانُها   جُزَق الهوى وغليلهُ نيرانُها
وسأَلتُ عن فرطِ الصبابةِ قيل لى   إيثار حبّك قلت جذب عنانها
وكُلٌ لَهُ وبهِ ومنهُ فزينَ   وَصف فاوتِرُه فَطاحَ لِسانُها
وقال بعضهم: سكون بعد الطلب، وطلب بعد السكون، لأن الطلب لا يساكن الأحوال إلا بوجود مراده وهوى محبوبه.

[وقيل: المحبة ارتياح الذات لمشاهدة الصفات].

وقيل المحبة هى أن تصير ذات المحب صفة المحبوب.

وقال بعضهم: المحبون لله هم الذين قطعوا العلائق التى تقطع عن الله من قبل أن تقطعهم.

قال الواسطى رحمة الله عليه: بطل حبهم بذكر حبه لهم بقوله { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } وأنَّى تقع صفات المعلولة من صفات الأزلى الأبدى.

وقال الشبلى: المحبة استواء الحب فى الشدة والرخاء، إذا صح قوله ودعواه.

سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الدارى يقول: سمعت أبا عثمان يقول: إنه قد ذكر حبهم له وحبه لهم، ثم نعتهم فى حبه لهم فقال: { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فبدأ من نعت المحبة بالتواضع الذى ضده الكبر، والكبر يتولد من الجهل الذى يؤدى إلى الأمن واليأس. والتواضع يتولد من حقيقة العلم.

وقال الجنيد: من أثبت محبته لله من غير شرط محبة الله له، كان فى دعواه مبطلاً حتى يثبت أولاً محبة الله له، قال الله تعالى: { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }.