الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ }.

قيل فيه: قطعك عن الكل قطعًا وجذبك إليه جذبًا بهذه الآية { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ } وقال ابن عطاء: لا تجعل لهم من قلبك نصيبًا وأفرد قلبك لى، تجدنى بصفة الفردانية مقبلاً عليك.

وقال سهل: أعجز الناس من خشى ما لا ينفعه ولا يضره، والذى بيده الضر والنفع يخاطبه بقوله { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ }.

قوله عز وعلا: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [الآية: 3].

قال أبو حفص: كمال الدين فى شيئين: فى معرفة الله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال جعفر بن محمد: اليوم إشارة إلى يوم بعث فيه محمداً صلى الله عليه وسلم ويوم رسالته.

وقيل: اليوم: إشارة إلى الأزل، والإتمام: إشارة إلى الوقت، والرضا: إشارة إلى الأبد.

وقيل: { أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } بأن خصصتكم من بين عبادى بمشاهدة المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب به أصحابه، وجعلتكم حجة لمن بعدكم من الأمة إلى يوم القيامة.

وقيل: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } بالمعرفة.

وقال شقيق فى هذه الآية: كمال الدين فى الأمن والفراغ، إذا كنت آمنًا بما تكفَّل الله لك صرت فارغًا لعبادته.

قوله تعالى: { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً }.

قيل: شرائط الإسلام كثيرة: منها سلامة روحك من جنايات سرك، وسلامة سرك من جنايات صدرك، وسلامة صدرك من جنايات قلبك، وسلامة قلبك من جنايات نفسك، وسلامة الخلق من جنايات شخصك وهيكلك وجوارحك، لذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ".

وقيل: كمال الدين التبرِّى من الحول والقوة والرجوع فى الكل إلى منزلة الكل.

قال الواسطى رحمة الله عليه: الإسلام خصلة مرضية ولكن لا يهتدى إليه الكل، والإسلام مرضى ولكن لا يلبسه الكل، والمرضى من أتى به ولكن على شرائط الاستقامة.

وقال أبو يعقوب السوسى: الإسلام دار عليها أربعة أبواب وأربع قناطر ثم المراتب بعد ذلك، من لم يدخل الدار ولم يعبر القناطر لم يصل إلى المراتب. فأول باب منها أداء الفرائض ثم اجتناب المحارم ثم الأمن بالرزق ثم الصبر على المكروه، فإذا دخل الدار استقبلته القناطر، فأول قنطرة منها الرضاء بالقضاء. والثانى: التوكل على الله.

والثالث: الشكر لنعماء الله. والرابع: إخلاص العمل لله، فمن لم يعبر هذه القناطر لا يصل إلى المراتب.

وقال بعضهم: نزلت هذه الآية يوم عرفة فى حجة الوداع والنبى صلى الله عليه وسلم واقف وعندها كان كمال الدين حيث يرد الحج إلى يوم عرفه، فإنهم كانوا يحجون فى كل سنة فى شهر فلما رد الله عز وجل وقت الحج إلى ميقات فريضته، أنزل الله تعالى: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }.