الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قوله تعالى: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [الآية: 22].

قال بعضهم: الإيمان خمسة ثم خمسة أولاً الشرح والتنوير لقوله: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } ثم الامتحان لقوله:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } [الحجرات: 3] ثم التحبيب والتزيين لقوله:حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 7] والكَتْب والتطهير بقوله:كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [المجادلة: 22] وأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } [المائدة: 41]. والخمس بعد ذلك معرفته بإثباته وأنه واحد لم يزل ولا يزال وليس كمثله شىء والخمس بعدها التصديق بالقول والإقرار باللسان والعمل بالأركان والاستقامة.

قال السيارى: تولّد الإسلام من الإيمان وتولّد الإيمان من المعرفة وتولد المعرفة من الهداية والنصرة ولا تكون الهداية والنصرة إلاَّ بالشرح والتنوير قال الله تعالى: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ }.

وقال على بن عبد الحميد: الصدر ساحة والفؤاد البيت والقلب بيت المخدع وفيه الضمير مثلها كمثل القنديل فالفؤاد النار والقلب الفتيله والصدر الدّهن فإذا كان الدُّهن جيدًا نظيفًا نوَّر نوره وصفى سراجه.

قال الواسطى - رحمة الله عليه -: وسَّع الله صدره فاحتمل الذات بعد احتمال الصفات ما كذب الفؤاد ما رأى العين.

قوله عز وعلا: { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [الآية: 22].

على يقين من مشاهدة ربه بالغيبوبة عن الملك والملكوت فلم يبق عليه مقام إلاَّ سلكه ولا حال إلا استوفاه فلما استوفى الأحوال وجاء على التمام شهد فشاهد فخوطب بأبهم الخطاب وأبهم عن ذلك الخطاب حين أخبر فقال: " لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا ".

وقال عمرو المكى فى هذه الآية هو وقوع نظر العبد على عظيم علم الوحدانية وجلال الربوبية فيعمى بذلك عن كل ملحوظ إليه بعد ذلك.

قال الواسطى فى قوله: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } قال: نور الشرح محبة عظيمة لا يحتمله كل أحد إلاَّ المؤيدون بالعناية والرعاية فإن العناية تصون الجوارح والأشباح والرعاية تصون الحقائق والأرواح.

قال القاسم: أوائل الإيمان الشرح والتنوير والتزيين والشرح فى حديث حارثة.

قال الترمذى: أهل اليقين وحدوا الله قلبًا وقولاً وفعلاً ووفوا له ذلك بشرح الصدر الذى مَنّ به الله عليهم وذلك قوله: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ }.

قال ابن عطاء: من آمن بالله وصدقه فهو على نور من ربه أى على بيان من ربه.

قال بعضهم: تعرّف إليهم حتى عرفوه وبصَّرهم حتى أبصروه وذلك حين شرح قلوبهم برؤية الصنع وأعمى أبصارهم عن النظر إلى سواه فبشرح الصدر عرفوه وبالعمى عن غيره أبصروه.

قال القاسم فى قوله: { عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } قال: الإيمان بالقدر.

قوله عز وعلا: { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الآية: 22].

قال الحسين: قسوة القلب بالنعم أشد من قسوته بالنسيان والشدة فإنه بالنعمة يشكر وبالشدة يذكر. وأنشد فى معناه:
قد كنت فى نعمة الهوى بطرًا   فأدركتنى عقوبة البطر
وقال: من همّ بشىء مما أباحه العلم تلذذًا عوقب بتضييع العمر وقسوة القلب وتعب الهم فى الدنيا.

وقال: عقوبة القلب الرَّان والقسوة والعمى.

قال يحيى بن معاذ: قسوة القلب من اتباع الهوى.