الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } [الآية: 102].

قال ابن عطاء: لما بلغ فى الطاعة سعيه وقام بحقوق الله حسب ما رضى الخليل وقرّت عينه بقيامه لحقوق مولاه وآنس الخليل به وفرح بمكانه وقيل له اذبحه فإنه لا يصلح للخليل أن يعرج على شىء دون خليله ولا يفرح بسواه فابتلى بذبحه ثم أسلم وقام مقام الاستقامة واتبع الأمر فداه بذبح عظيم.

قوله عز وعلا: { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } { الآية: 102].

قال بعضهم: القربان ما تقرب به العبد إلى ربه والتقرب غير القرب فإن التقرب للعابدين والقرب للعارفين.

سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد - رحمة الله عليه - يقول فى قصة إبراهيم لما أمر بذبح ابنه حيث يقول: { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } أتعزم على الصبر فيما حلَّ من البلاء وإبراهيم عليه السلام خلا من مساكنة الاشتقاق الذى نشأ من صفة الطبع الذى لا يمكن النفوس مباينته فى حين مُسُوس البلاء فتلقى ذلك بالاستبشار وحسن اللقاء بنفس قد برئت من وجود ما ابتليت به قد فارق الرحمة التى لولا التمسك بالعصمة لجمت النفس على مسألة صرف البلاء.

قال الواسطى - رحمة الله عليه -: نقل الله جل وعلا إبراهيم صلى الله عليه وسلم من حال البشرية إلى غيرها وهو أنه لما امتحنه بذبح ابنه أراد أن يزيل عن سره محبة غيره وتثبيتًا فى محبته لأن وجود محبة الله فى قلب إبراهيم مع رحمة الولد محال فنظر إلى أقرب الأشياء من قلبه ووحدانية الأقرب فأمر بذبحه وليس المبتغى منه تحصيل الذبح إنما هو إخلاء السر منه وترك عادة الطبيعة وحيث نودى وفديناه بذبح عظيم إنى قد حصلت ما طالبناك به وافيًا وحصل لنا منك ما أردناه.

قوله تعالى: { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [الآية: 102].

قال أبو سعيد الخراز: أسرع الإجابة بقوله افعل ما تؤمر لأنه قد أخلاهما من علم ما يراد بهما كى لا يُعرّجا على رؤية السلامة فيزول معنى البلاء ومن يقع موضع الخصوص لا يتقرب بالصبر على حقيقة موجودة.

قال الواسطى - رحمة الله عليه -: الصبر إسبال التولى قبل مخامرة المحنة فإذا صادفت المحنة التولى حملها بلا كلفة.

سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر الخلدى يقول فى قوله: { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } قال: أخلاهما فيما أبلاهما من علم يراد بهما كى لا يعرجا على رؤية السلامة والعافية فيزول معنى البلاء ويجعل مكانه الفضيلة ولا يتعلق على حقيقة موجودة وكذلك طوى عنه علم السلامة فى حين القذف فى النار ليعطى حقيقة التوكل ويكمل علم التفويض ويستحق اسم التسليم ويتلقى اختيار الله عز وجل بالإخبات والتعظيم وذلك قوله: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } [الآية: 106].

سمعت أبا بكر الرازى يقول سمعت أبا بكر الروزبارى يقول: غاية البر فى غاية الجفاء وهو فى قصة الخليل صلوات الله وسلامه عليه.

قوله تعالى: { يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ }.

حتى فدى بالذبح العظيم.

قال الروزبارى: عظيم قدر الذبح حين فدى مثل اسماعيل صلى الله عليه وسلم.