الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }

قوله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } [الآية: 32].

قال الحسن البصرى رحمة الله عليه: السابق من رجحت حسناته، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاتة، والظالم الذى ترجح سيئاته.

وقال جعفر الصادق رحمة الله عليه: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } فرق المؤمنين ثلاث فرق سماهم مؤمنين أولاً، عبادنا: أضافهم إلى نفسه تفضلاً منه وكرمًا ثم قال: { ٱصْطَفَيْنَا } جعلهم كلهم أصفياء مع علمه بتفاوت معاملاتهم ثم جمعهم فى آخر الآية بدخول الجنة فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } [الآية: 33]، ثم بدأ بالظالمين إخبارًا أنه لا يتقرب إليه إلاَّ بصرف كرمه وأن الظلم لا يؤثر فى الاصطفائية ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء. ثم ختم بالسابقين لأن لا يأمن أحد مكره، وكلهم فى الجنة لحرمة كلمة الإخلاص.

قال الجنيد رحمة الله عليه: لما ذكر الميراث على أن الخلق فيه خاص وعام وأن الميراث لمن هو أقرب وأصح نسبًا فتصحيح النسبة هو الأصل. قال: الظالم الذى يحبه لنفسه، والمقتصد الذى يحبه له والسابق أسقط عنه مراده لمراد الحق فيه فلا يرى لنفسه طلبًا ولا مرادًا لغلبة سلطان الحق عليه.

سئل الثورى عن قوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } على ماذا عطف بقوله ثم؟ قال: عطف على إرادة الأزل والأمر المقضى، قال: ثم أورثنا من الخلق الذين سبقت لهم منا الاصطفائية فى الأزل.

وقال عبد العزيز المكى: المغفرة للظالمين والرحمة على المقتصدين والقربى للسابقين.

وقال حارث المحاسبى: الظالم نظر من نفسه فى دنياه وآخرته فيقول فى دنياه وآخرته نفسى نفسى والمقتصد نظر من نفسه إلى عقباه وهو فى الآخرة ناظر إلى مولاه، والسابق من نظر من الله إلى الله فلم ير غير الله فى دنياه وعقباه.

وقال أبو الحسن الفارسى: سبحان من أثبت أسامى الظالمين فى ديوان السابقين ثم جمع بينهم فى محل الإرث فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } وإن الله اصطفى جملة الموحدين من جملة الكافرين فكانوا عبادًا مخصوصين فسوى بينهم أن لا يعتمد السابق على سبقه ولا ييأس الظالم من ظلمه.

وقيل فى قوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ... } الآية، قال: فيه تعزية وتهنئة وما من تعزية إلاَّ وتحتها تهنئة ولا تهنئة إلاَّ وتحتها تعزية فلما قال: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } كان ذلك تهنئة له وتعزية للظالم، ثم ذكر السابق بالخيرات وفى ذلك تهنئة له وتعزية للمقتصد لأن الله يقول:وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 10-11] والظالم لنفسه افتقر إلى حال المقتصد والمقتصد لم يفتقر إلى حال الظالم لنفسه والمقتصد افتقر إلى حال السابق والسابق لم يفتقر إلى حال المقتصد لأن من نال أعلى المراتب فقد جاز ما دونه والمقتصد قد جاز مرتبة الظالم لنفسه ونال ما هو أعلى منه والسابق قد جاز مرتبة المقتصد ونال أعلى منها فلا يفتقر إلى ما هو دونها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6