الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }

قوله تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } [الآية: 72].

قال بعضهم: أداة أمانة الخلق وأداء أمانة الخالق.

وقال ابن عطاء: الأمانة هى تحقيق التوحيد على سبيل التفريد.

قال الحسن البصرى: رأيتهم والله قد اشتروا الأمانة بأموالهم ووسعوا لها دورهم وضيقوا قبورهم وسمنوا براذينهم وأهزلوا ذنبهم وأنصبوا أنفسهم إلى باب السلطان بالغدوة والرواح بالمطارق العتاق والعمائم الرقاق يتعرضون للبلاء وهم من الله فى عافية ويبكى أحدهم على شماله ويأكل من غير ماله، ماله حرام وخدمته سخرة ثم إذا بلغت به اللكضة ونزلت به بطنة يقول: يا غلام ائتنا بشىء يهضم طعامنا أطعامك يهضم أم دينك معه يا لكع أين أنت من قوله تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } ألم يهمك إذن الأمانة التى حملتها حتى اختلت، تنظر فى عطفيك، وتتبختر فى مشيتك، هيهات هيهات ما أبعدك عن طريق المتقين وأجهلك بسيرة المؤمنين.

قال أبو بكر بن طاهر: إن الأمانة عرضت على السماوات والأرض فأبوا حملها وأشفقوا من ذلك وهربوا منها فلما عرضت على آدم قال: أحمل هذه الأمانة بقوتى ونفسى أم بالحق؟ فقيل: بل من يحملها يحملها بنا فإن ما منا لا يحمل إلا بنا، فحملها آدم.

قوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الآية: 72].

قال: ظلومًا حيث ظن أن أحدًا يحمل بنفسه شيئًا، جهولاً بعظيم قدر الأمانة وأن أحدًا يطيق إتمامها بنفسه دون توفيق ربه.

قال أبو عثمان: الأمانات شتى على النفس أمانة وعلى القلب أمانة وعلى السر أمانة وعلى الفؤاد أمانة وعلى الروح أمانة وفى العينين أمانة وفى اللسان أمانة وعلى السمع أمانة وعلى الرجلين أمانة وعلى اليدين أمانة فمن لم يراع أمانة الله عليه عنده ضيع أوقاته وخاب سعيه.

قال الجنيد رحمة الله عليه: إن الله لما عرض على السماوات والأرض والجبال فأبوا حملها وعرضت على آدم فقبلها فأبوا حين ظنوا أنهم بإياهم يحملون، وحملها آدم حين علم أنه به يحملها لا بنفسه.

وقال أيضًا: نظر آدم إلى عرض الحق فأنساه لذة العرض ثقل الأمانة وشدتها فحمل بالعرض من غير النظر إلى الأمانة.

وقال أيضًا: أشفقت السماوات والأرض عن حمل الأمانة لعظم خطرها وسهل على آدم قبولها وحملها قوله: { عَرَضْنَا } فتخصيص العرض حسر آدم على حمل الأمانة. وقال لو كانت مثل الأمانة ألوف أمانات حملتها بعد أن يكون عن عرضك حملها.

وقال: فى قوله: { ظَلُوماً جَهُولاً } ظلومًا لنفسه جهولاً بعاقبته.

قال ابن عطاء: ظلم نفسه حيث لم يشفق مما أشفق منه السماوات والأرض.

قال فارس عن الحسين فى قوله: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } قال: عرضت الأمانة على الخلائق والجمادات فأشفقوا وهربوا وظنوا أن الأمانة تحمل بالنفوس وكشف لآدم أن حمل الأمانة بالقلب لا بالنفس فقال: أنا أقبلها فإن القلب موضع نظر الحق واطلاع الحق والجلية، لم تطقها الجبال وطاقتها القلوب، وأنشد فارس:
حملتم القلب ما لا يحمـل البدن   والقلب يحمل ما لا يحمل البدن
يا ليتنى كنت أدنى من يلوذ بكم   عينـًا لأنظركم أم ليتنى أذن