الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله تعالى: { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [الآية: 18]. سُئِلَ سَهلُ بن عبد الله عن هذه الآية فقال: شهد لنفسه بنفسه وهو مشاهدٌ ذاتهُ، واستشهد من استشهد من خلقه قبل خلقه لهم، فكان ذلك تنبيهٌ أنهُ عالم بما يكونُ قبل كونهِ، وإنهُ لا يتجاوزُ أحدٌ من خلقه ما تجلى بهِ.

وقيل فى قوله تعالى: { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ }: إن العلماء ثلاثةٌ: عالمًا بأمور الله تعالى وأحكامه فهم عُلماءُ الشريعة، وعالمًا بصفاته ونعوته فهم عُلماء النسبة، وعالمًا به وبأسمائه فهم العالم الربانى.

قال أبو يزيد يومًا لأصحابه: بقيتُ البارحة إلى الصباح أُجْهدُ أن أقُولَ: أشهدُ أن لا إله إلا الله ما قدرت عليه قيل: وَلِمَ؟ قال: ذكرت كلمةً قلتها فى صباى جائتنى وحشة تلك الكلمة فمنعتنى عن ذلك وأعجب من يذكر الله تعالى وهو متصف بشىء من صفاته.

سَمِعتُ محمد بن عبد الله يقول: سَمعتُ الشبلى يقول: ما قلت الله إلا استغفرت من ذلك، لأن الله تعالى يقول: { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فمن شهد بذلك له من الأكوان إلا عن أمنٍ أو غفلة.

وقال ابن عطاء: أولُ ما نحلوا من حقائق البقاءِ فَنوا عن كل شىء دونَ الله تعالى حتى بقوا مع اللهِ تعالى.

وقيل: لا يصلُ إلى الشهادة للهِ تعالى بما شهدَ لنفسه حتى يصل إلى الفاقة الكبرى قيلَ: وما الفاقةُ الكبرى؟ قال: حتى يعلم أنه لا يصل إليه إلا بهِ، ولا ينجُو منه إلا بهِ.

وقال ابنُ منصور لرجل: أتشهد فى الأذان؟ قال: نعم قال: ألحدت من حيثُ وحدَّت فى تشهُّدك حين شهدت لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم ولم تفرق بينهما حتى تشهد لله تعالى بالتعظيم وللرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ والتسليم، عند ذلك باهت الأسرار فيما وراء الغيرة ولا غير.

وقيل للشبلى رحمه الله: لِمَ تقول الله ولا تقول لا إله إلا الله؟ فأنشأ يقول:
شَمسٌ يَغالِبُ فقدَها بثبُوتها   فإذَا استحال الفَقْدُ ماذا يغيبُ
ثم قال: وهل يبقَى إلا ما يستحيل كونُهُ، وهل يثبت إلا ما لا يَجُوز فقدُه؟

وقال ابن عطاء فى قوله: { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، فقال: دَلَّنا بنفسه من نفسه على نفسه بأسمائه وفيه بيان ربُوبيته وصفاته، فجعل لنا فى كلامهِ وأسمائه شاهِدًا ودليلاً، وإنما فعل ذلكَ لأنَّ الله تعالى وحَّدَ نفسَهُ ولم يكن معهُ غيره، فكان الشاهدُ عليه توحيده، ولا يستحق أن يشهدَ عليه من حيثُ الحقيقة سواهُ، إذ هو الشاهدُ فلا شاهدَ معهُ، ثم دعا الخلق إلى شهادته، فمن وافقت شهادته فقد أصاب حظَّهُ من حقيقة التوحيد، ومن حُرِمَ ضل.

السابقالتالي
2