الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }

قوله تعالى: { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ } [الآية: 24].

قال أبو بكر بن طاهر: قضى عليه ما عليه من حق النصيحة للخلق والاهتمام بهم { ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ } ثم رجع الى اليقين والتوكُّل وقال: { إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } إنى لما أبديت إلى من غناك وعنايتك وفضلك فقير الى أن تغنينى لك عن كل من سواك.

قال ابن عطاء رحمة الله عليه: نظر من العبودية الى الربوبية فخشع وخضع وتكلم بلسان الافتقار بما ورد على سره من أنوار الربوبية فافتقاره افتقار العبد الى مولاه فى جميع أحواله لا افتقار سؤال ولا طلب.

قال أبو عثمان عرّض عن السؤال باظهار الحال والإخبار عنه.

قال الحسين: إنى لما خصصتنى من علم اليقين فقير الى أن تردنى الى عين اليقين وحقه.

وقال جعفر: فقير إليك طالب منك زيادة الفقر إليك لأنى لم استغن عنك بشىء سواك.

وقال أيضًا: فقير فى جميع الأوقات غير راجع إلى الكرامات والآيات دون الفقر إليك والإقبال عليك.

وقال فارس: { إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } قال: فقير إلى الطريق إلى قربك.

وقال أيضًا: إنى لما أعرفه من حسن اختيارك لى مفتقر ومحتاج إلى أن ترضينى بقضائك وقدرك فآنس به.

وقال أبو سعيد الخراز: الخلق مترددون بين ما لهم وبين ما إليهم فمن نظر إلى ماله تكلم بلسان الفقر ومن شاهد ما إليه تكلم بلسان الخيلاء والفخر ألا ترى إلى حال الكليم عليه السلام لما شاهد خواص ما خصه به الحق كيف قال:أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143] ولم يحتشم ولما نظر الى نفسه كيف أظهر الفقر فقال: { إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }.

سمعت النصرآباذى يقول فى قوله: { إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } قال: لم يسأل الكليم الخلق وإنما سؤاله من الحق، لم يسأل غذاء النفس وانما سأل سكون القلب.

وقال: يجب أن يكون للإنسان ملجأ يلتجىء إليه وقت فراغه من عمله ثم ينظر بعد ذلك إلى فعله فمن رأى فعله وعيب تقصيره فهو حسن، ومن رأى فضل الله عليه أن أهَّله لخدمته فهو أحسن وفى الجملة رؤية المنة أعظم من رؤية التقصير.

وقال بعضهم: إنى لما عوَّدتنى من جميل الإحسان على الدوام فقير إلى شفقتك ونظرك بعين الرعاية والكلاية إلىّ لتردنى من وحشة المخالفين إلى أنس الموافقين فورثه الله تعالى ذكره صحبة شعيب وأولاده عليهم السلام.