الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً }

قوله تعالى: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } [الآية: 63].

قال الجنيد رحمة الله عليه: عباد صفة مهملة وعبادى صفة الحقيقة، وعباد الرحمن صفة حقيقة الحقيقة.

قال ابن عطاء رحمه الله: هم الخواص من العباد لإضافة الحق إياهم إلى اسمه الخاص، وهو الرحمن أعلمك بهذا أنه خصهم من بين عباده بخصائص الولاية من عبده وهو أن رزقهم الشفقة على عامة عباده وزينهم بالأخلاق الشريفة التى هى نتائج أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله:وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4].

سئل عند ذلك فقال: أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك وتعفو عن من ظلمك، وتحسن إلى من أساء إليك هكذا وصف الله عز وجل هؤلاء الخواص من عباده بقوله: { يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } الى آخر القصة.

قال جعفر: الذى يمشون على الأرض هونًا بغير فخر ولا خيلاء، ولا تبختر بل بتواضع، وسكينة، ووقار وطمأنينة، وحسن خلق، وبشر وجه كما وصف النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنين فقال: " هينون لينون كالجمل، الأنف، إن قيد انقاد وأن انتُخ على صخرة استناخ " وذلك لما طالعوا من تعظيم الحق وهيبته وشاهدوا من كبريائه وجلاله خشعت لذلك أرواحهم، وخضعت نفوسهم وألزمهم ذلك التواضع والتخشع.

قال سهل فى قوله: { قَالُواْ سَلاَماً } قال: صوابًا من القول والسداد.

قال أبو حفص النيسابورى فى قوله: { قَالُواْ سَلاَماً } قال: لم ينتقموا لأنفسهم فسلموا من غلبة الشيطان.

قال الحسن البصرى: هذا دأبهم فى النهار فإذا جاء الليل يكون دأبهم ما وصف الله عز وجل فى عقب هذه الآية.

قال الجنيد رحمه الله فى قوله: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } قال: هم العباد ليس للعدو عليهم سلطان فالعبد إذا صح اسمه فهو لمولاه والله لا يُتم إلا بتمام الصورة فيه ولباس الملك عليه.

قال بعضهم: صفة هؤلاء العباد وحليتهم ومولاه الفقر والعقل، وأمتهم وطاعة الله حلاوتهم، حبُّ الله لذتهم، وإلى الله حاجتهم، والتقوى زادهم، ومع الله تجارتهم، وعليه اعتمادهم وبه أنسهم وعليه توكلهم، والجوع طعامهم، والزهد ثمارهم، وحسن الخلق لباسهم، وطلاقة الوجه حليتهم، وسخاوة النفس حرفتهم وحسن المعاشرة صحبتهم، والعلم قائدهم، والصبر سائقهم، والهدى مركبهم، والقرآن حديثهم والشكر زينتهم والذكر مهمتهم، والرضا راحتهم، والقناعة مالهم، والعبادة كسبهم، والشيطان عدوهم والدنيا مزابلهم، والحياء قميصهم، والخوف سجينهم، والنهار عزتهم، والليل فكرتهم، والحكمة سبقهم، والحق حارسهم، والحياة مرحلتهم، والموت منزلهم، والقبر حصنهم، والفردوس مسكنهم، والنظر الى رب العالمين منيتهم، وهم خواص عباده الذين قال الله عز من قائل: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً }.

قال بعضهم: قرن اسم العبودية باسمه، وقرن بسمت العبودية ضوء الخليقة وأزكاها فكان حسن الخلق درجات وصدق المكابدة عبادات، والأخلاق للعبيد، والاجتهاد للعباد قرينه، والعبودية أشرف وأقرب وأروح وجلية العباد أكدوا (......) محل البدن، ومحل العبودية محل الروح، والعبادة إقامة الأمر، والعبودية الرضا بالحكم وعبادة الأحوال عبوديتة، وعبادة الأوقات عبادة، فالعبادة أصل، والعبودية فرع ومرتبة العبودية أقوم من مرتبة النبوة، ألا ترى النبى صلى الله عليه وسلم قال فى التشهد عبده ثم قال: ورسوله والشريعة مشتملة عليهما معًا، والعبادة بدنها، والعبودية روحها، والعبادة مجاهدة، والعبودية هداية.