الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

قوله تعالى ذكره: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } [الآية: 83].

حدثنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن شاذان قال: حدثنا عبدالله بن جعفر بن على الموصلى، قال: حدثنا الحسن بن داود قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن أنس قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن قول أيوب: { مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } فبكى النبى صلى الله عليه وسلم وقال: " والذى بعثنى بالحق نبيًا ما شكى نبيًا فقرًا نزل إليه من ربه، ولكن كان فى بلائه سبع سنين، وسبع أشهر، وسبع أيام، وسبع ساعات، فلما كان فى بعض ساعات وثب ليصلى قائماً فلم يطق النهوض فجلس ثم قال: مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين ". قال صلى الله عليه وسلم: " أكل الدود سائر جسده حتى بقى عظامًا نخرة فكانت الشمس تطلع من قُبله وتخرج من دبره " ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم: " ما بقى إلا قلبه ولسانه، وكان قلبه لا يخلو من ذكر الله جل وعز، ولسانه لا يخلو من ثنائه على ربه، فلما أحب الله له الفرج بعث إليه الدودتين إحداهما إلى لسانه، والأخرى إلى قلبه، فقال: يا رب ما بقى إلا هاتان الجارحتان، قلبى ولسانى أذكرك بهما، وقد أقبلت هاتان الدودتان إحداهما إلى قلبى، والأخرى إلى لسانى، يقطعانى عنك ويطلعانى على سرى: { مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } ".

قال أبو عبد الرحمن السلمى: وإنى برئ من عهدة هذا الحديث، وليس يشبه هذا كلام النبى صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عطاء: استعذب الأولياء البلاء للمناجاة مع المولى لذلك قال الحسين بن على: ذكر الله على الصفاء ينسى العبد مرارة البلاء.

وقال جعفر: خرج منه هذا الكلام على المناجاة مستدعيًا للجواب من الحق ليسكن إليه لا على حد الشكوى.

وقال النصرآباذى: الخلق كلهم فى ميادين فضله يتروحون، وألسنتهم منبسطة بالشكوى فصيحة به.

قال جعفر: لما سلط الله البلاء على أيوب وطال به الأمر أتاه الشيطان فقال: إن أردت أن تتخلص من هذا البلاء فاسجد لى سجدة فلما سمع ذلك فقال:مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ص: 41] ومسنى الضر حين طمع الشيطان فى أن أسجد له.

وقال أيضًا: لما تناهى أيوب في البلاء واستعذبه صار البلاء وطنًا له، فلما اطمأنت إليه نفسه وسكن عنه البلاء شكره الناس على صبره، ومدحوه عليه فقال: { مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } لفقد الضر وأنشد فى معناه:
تَعودتُ مَس الضُّـر حَتَى ألفِتُهُ   وأسلَمنى حُسن العَزاء إلى الصبرِ
وصيّرنى يأسى من النَّاسِ راجيًا   لسرعة لطفِ من حَيْث لا أدرى
وقال الجنيد رحمة الله عليه: قال الله لأيوب: لولا أنى جعلت تحت كل شعرة منك صبرًا لما صبرت وكنت مع هذا تشكو وتقول: { مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ }.

السابقالتالي
2 3