الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ }

قوله تعالى: { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } [الآية: 17].

قال الواسطى: خلق الله تعالى درة صافية فلاحظها بعين الجمال فزابت منه حياءً، { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } فصفاء القلوب من وصول الماء إليه وحياء الأسرار من نزول ماء ذلك المشرب.

قال ابن عطاء: { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ } هذا مثلٌ ضربه الله تعالى للعبد كما أنه إذا سال السيل فى الأودية، لم يبق فى الأودية نجَاسة إلا كنسها وذهب بها، كذلك إذا سال النور الذى قسم الله تعالى للعبد فى نفسه لا يبقى فيه غفلةٌ ولا ظلمة { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } يعنى قسمة النور { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } يعنى فى القلوب الأنوار على ما قسم له فى الأزل، { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً } فبذلك النور يصير القلب منورًا فلا يبقى فيه جفوة، { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } فذهب البواطيل وتبقى الحقائق.

قال بعضهم: { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً }: أنواع الكرامات فأخذ كل قلب بحظه، ونصيبه فكل قلب مؤيد بنور التوفيق، أضاء فيه سراج المعرفة، وكل قلب زين بنور الهدى أضاء فيه أنوار المعرفة، وكل قلب قيد بنور المحبة، أضاء فيه لهيب الشوق وكل قلب عمى بلهيب الشوق أضاء فيه أنس القرب، كذلك القلوب تتقلب من حالة إلى حالة حتى تستغرق فى أنوار المشاهدة، أخذ كل قلب بحظه، ونصيبه إلى أن تبدو الأنوار على الشواهد من فضل نور السر.

قوله عز وجل: { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } [الآية: 17].

قال ابن عطاء: ما كان من الأحوال صدقًا. ثبت فى القلوب بركاتها، وما كان من غير ذلك فإنه لا يبقى فيه خير.

قال الواسطى: فى قوله تعالى: { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } هو القرآن فى صرف الكرم والفضل { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } رؤيتك الأعمال، وصولتك بها على جيرانك، { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً } عند أهل التوحيد، { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } وهو اليقين، وهو ما سال من الله عليه من صرف الكرم فيبقى عليه.