الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [142] أي يسرع لهم الجزاء على إظهار الإيمان وإضمار الكفر بترك العصمة والتوفيق، وتمديد الأموال والبنين، والإطراق على عاجل الدنيا، وخاتمتهم النار، فهذا هو المراد من قوله: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [142]. قال سهل في قوله تعالى:بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } [الصافات:12] أراد به سرعة مجازاتهم على الإقامة والنفي، فسمى قوله باسم فعلهم. وقد أخبر عنهم بالعجب في مواضع، قال في قوله في قل أوحي:إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } [الجن:1] وفي ق:بَلْ عَجِبُوۤاْ } [ق:2] وفي ص:إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ص:5] وقد ذكر في الصافات:بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } [الصافات:12] أي رأيت جزاءهم عظيماً، فسمى تعظيم الثواب عجباً، لأن المتعجب إنما يتعجب من أمر بلغ نهايته، فهذا هو المراد من قوله:بَلْ عَجِبْتَ } [الصافات:12].

وقد حكي أن شقيقاً قرأ على شريح: " بَلْ عَجِبْتُ " فقال له شريح: " بَلْ عَجِبْتَ " إن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب مَنْ لا يعلم. قال شقيق: فأخبرت به إبراهيم فقال: إن شريحاً يعجبه علمه، وإن ابن مسعود أعلم منه، وكان يقرأ: " بَلْ عَجِبْتُ " بالضم.

{ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ } [142] فهذه من علامات المنافقين، حيث خانوا في هذه الأمانة التي تحمّلوها في الظاهر، واعلم أن لله تعالى أمانة في سمعك وبصرك ولسانك وفرجك، وظاهرك وباطنك، عرضها عليك، فإن لم تحفظها خنت الله، وٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } [الأنفال:58]. وقد حكي " عن أبي حبان أنه قال: ارتحلت إلى مكة وجئت سعيد بن جبير فقلت له: جئتك من خراسان في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام: " علامة المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ". ولا أرى أنها في نفسي، فتبسم سعيد وقال: وقع في سري ما وقع في سرك، فأتيت علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقت القيلولة، فوجدتهما عند البيت، فسألتهما عن تأويل هذا الحديث فتبسما، وقالا: لقد أشكل علينا ما أشكل عليك، فذهبنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقت القيلولة، فأذن لنا فذكرنا له صلى الله عليه وسلم هذا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " ألستما على شهادة أن لا إله إلا ا لله؟ قلنا: بلى. فقال: هل رجعتما عن ذلك؟ فقلنا: لا. قال: لقد قلتما وصدقتما. ثم قال: ألستما على ما قررتكما عليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث؟ قلنا: نعم، كأنها رأي العين. فقال صلى الله عليه وسلم: هذا من الإنجاز. ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألستما تصليان وتسجدان في الصلاة في الخلوة؟ فقلنا: نعم. فقال: هي الأمانة لا خيانة فيها ".

وقال سهل: إن اليقين أوتاد قلوب العارفين وأرواح المشتاقين، كما أن جبال الدنيا مع جبل ق أوتاد الأرضين قوام للعالمين، ثم زاد قوة قلبك حيث قال تعالى:لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [الحشر:21] وقد أنزلته على قلوبهم حفظاً وعليكم أمراً، فلم يؤمر حمله فيكم لحفظي إياكم ولطفي ونظري إليكم.

ثم قال: انتهت عقول المؤمنين سائرة إلى العرش فسلمت وحفت بظرائف حكمه وفنون بره، وسارت عقول المنافقين، فلما بلغت رامت الغيوب، فردت منكسة، قال الله تعالى:وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } [النساء:88 و143].