الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

وسئل عن قوله: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } [260] أفكان شاكاً في إيمانه حتى سأل ربه أن يريه آية ومعجزة ليصح معها إيمانه؟ فقال سهل: لم يكن سؤاله ذلك عن شك، وإنما كان طالباً زيادة يقين إلى إيمان كان معه، فسأل كشف غطاء العيان بعيني رأسه ليزداد بنور اليقين يقيناً في قدرة الله، وتمكيناً في خلقه، ألا تراه كيف قال: { أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ } [260] فلو كان شاكاً لم يجب بـ " بلى " ، ولو علم الله منه الشك وهو أخبر بـ " بلى " وستر شكه لكشف الله تعالى ذلك، إذ كان مثله مما لا يخفى عليه، فصح أن طلب طمأنينته كان على معنى طلب الزيادة في يقينه. فقيل: إن أصحاب المائدة طلبوا الطمأنينة بإنزال المائدة، وكان ذلك شكاً، فكيف الوجه فيه؟ فقال: إن إبراهيم عليه السلام أخبر أنه مؤمن، وإنما سأل الطمأنينة بعد الإيمان زيادة، وأصحاب المائدة أخبروا أنهم يؤمنون بعد أن تطمئن قلوبهم، كما قال:وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } [المائدة:113] فأخبروه أن علمهم بصدقه بعد طمأنينتهم إلى معاينتهم المائدة يكون ابتداء إيمان لهم. وقال أبو بكر: وسمعته مرة أخرى يقول: { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [260] أي لست آمنُ أن يعارضني عدو لك

قلنا فقوله: { لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [260] أي خلتي، هذا لما أعلمه أنك تحيي وتميت.

وسئل سهل: إذا بلغ العبد إلى كفاح العيان ما علامته في البيان؟ فقال: يغلب بطرد الشيطان، وهو أن النفس في معاينة الهوان، ولا سبيل إليه للنفس والشيطان بعزلهما عن الشيطان إلاَّ بحفظ الرحمن. وقال: [من الوافر]
كفاياتُ الكِفاح بِحُسْنِ ظنِّي   كنسجِ العنكبوتِ بباب غارِ
وحسنُ الظَّنِّ جاوزَ كُلَّ حجبٍ   وحُسْنُ الظَّنِّ جاوز نُورَ نار
علاماتُ الْمُقَرَّبِ واضحاتٌ   بعيدٌ أمْ قريبٌ ليلُ سارِ
فمنْ كانَ الإِله لهُ عِياناً   فلا نومَ القرارِ إلى النهارِ
تقاضاه الإله لَهم ثلاثاً   فهل من سائلٍ من لطف بارِ
متى نَجس الولوغ ببحر ود   فدع شقي النباح بباب داري
ألا يا نفس والشيطان أخسوا   كبطلان الوساوس والغمارِ
قوله: " كفايات الكفاح بحسن ظني " كأنه أشار إلى قوله:أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ } [فصلت:53] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى يا رب " وكذلك لما أنزلتأَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [التين:8] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى يا رب " ومن طريق فهمهم القرآن: أوَ لم يَكْفِ بِرَبِّكَ يا محمد بنصرتك في الدنيا على أعدائك بالقتل والهزيمة، وفي العقبى بالمقام المحمود والشفاعة، وفي الجنة باللقاء والزيارة، وقوله: " كنسج العنكبوت بباب غار " وذلك أنَّ غار العارفين هو السر، واطلاع رب العالمين إذا بلغوا إلى مقام الكفاح، وهو عيان العيان بعد البيان، فليس بينهم وبين الله تعالى إلاَّ حجاب العبودية بنظره إلى صفات الربوبية والهوية والإلهية والصمدية إلى السرمدية بلا منع ولا حجاب، مثل من طريق الأمثال كنسيج العنكبوت حول قلبه، وسره فؤاده بلطف الربوبية وكمال الشفقة بلا حجاب بينه وبين الله تعالى كنسج العنكبوت بباب غار رسول الله صلى الله عليه وسلم صرف الله به جميع أعدائه من صناديد قريش بدلالة إبليس إياهم عليه، كذلك أهل المعرفة إذا بلغوا إلى مقام العيان بعد البيان انقطع وصرف وساوس الشيطان وسلطان النفس، وصار كيدهم ضعيفاً، بيانه قوله:

السابقالتالي
2 3