الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ } كلام مستأنف مسوق لبيان كمال قدرته تعالى وسعة علمه وتدبيره. قوله: (تمشي) قدره خاصاً لدلالة مقابلة وهو قوله يطير عليه، قال العلماء: جميع ما خلقه الله عز وجل لا يخرج عن المشي والطيران، وألحقوا حيوان البحر بالطير لأنه يسبح في الماء، كما أن الطير يسبح في الهواء. قوله: { فِي ٱلأَرْضِ } خصها بالذكر لأن المشاهد أقطع لحجة الخصم، وإلا فسكان السماء كذلك. قوله: { بِجَنَاحَيْهِ } صفة كاشفة، نظير قوله: نظرت بعيني وسمعت بأذني.

قوله: { إِلاَّ أُمَمٌ } أي طوائف وجماعات أمثالكم، أي كل نوع على صفة وطريقة وشكل كما أنكم كذلك، فمن الدواب العزيز والذليل والمرزوق بسهولة وبتعب والقوي والضعيف والكبير والصغير والمتحيل في الرزق وغير المتحيل كبني آدم. قوله: (في تدبير خلقها) أي وتصريفه فيها في كل لحظة، بجلب المنافع لها، ودفع المضار عنها، ولفظه بها، فلا يشغله شأن عن شأن، قال تعالى:مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28]. قوله: (وأحوالها) أي من إحيائها وإماتتها وإعزازها وإذلالها ونحو ذلك، وكذلك تعرف ربها وتوحده، كما أنتم تعرفونه وتوحدونه، ولم يوجد كافر إلا من الجن والآدميين، وإلا فجميع المخلوقات عقلاء، وغيرهم مجبولون على التوحيد، قال تعالى:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 44] وإنما كفر من كفر من الجن والإنس عناداً. قوله: (اللوح المحفوظ) أي من الشيطان، ومن التغيير والتبديل، وهو من درة بيضاء فوق السماء السابعة، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، فحيث أريد بالكتاب اللوح المحفوظ، فالعموم ظاهر، فإنه فيه تبيان كل شيء ما كان وما يكون وما هو كائن، وقيل المراد بالكتاب القرآن، وعليه فالمراد بقوله: { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ } أي ويحتاج إليه الخلق في أمورهم.

قوله: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } أي يجمعون، وهذا بيان لأحوالهم في الآخرة إثر بيان أحوالهم في الدنيا. قوله: (فيقضي بينهم) أي الأمم عقلاء أو غيرهم. قوله: (للجماء) أي وهو معدومة القرون، وهذا كله لإظهار العدل، فحيث لم يترك غير العقلاء فكيف بالعقلاء، فلا بد من الحشر والحساب والجزاء، إما بالعدل، وإما بالفضل. قوله: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها. قوله: { فِي ٱلظُّلُمَاتِ } هو معنى قوله في الآية الأخرى، عمي فهم صم القلوب عميها بكمها، فلا يتأتى منهم انتفاع ولا اعتبار، ولا يصل إليهم نور أبداً. وقوله: (الكفر) أي فهو ظلمات معنوية، فمثل الكافر كمثل رجل أعمى أصم أبكم في ظلمات فلا يهتدي إلى مقصوده، كما أن الكافر كذلك.

قوله: { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } هذا دليل لما قبله، ومفعول يشأ في كل محذوف قدره المفسر بقوله إضلاله وبقوله هدايته، والمعنى أن الإضلال والاهتداء بتقدير الله، فمن أراد الله هدايته، سهل له أسبابها، وجعله منهمكاً في طاعته، وإن وقعت منه معصية وفق للتوبة منها، ومن أراد الله إضلاله، حجبه عن نوره، وتعسرت عليه أسباب الطاعة، حتى لو وقعت منه طاعة، تكون معلولة غير مقبولة، وما في هذه الآية هو معنى قوله تعالى في الآية الأخرىفَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ } [الأنعام: 125] الآية.