الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ } نزلت لما قال الكفار: يا محمد ارجع إلى ديننا، وغير منصوب بأبغي، و { رَبّاً } تمييز، وقوله: (إلهاً) تفسير لرباً. قوله: (أي لا أطلب) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: { وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } الجملة جالية، والمعنى لا يليق أن أتخذ إلها غير الله، والحال أنه مالك كل شيء. قوله: { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } رد لقولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، أي يكتب علينا ما عملتم من الخطايا. قوله: { إِلاَّ عَلَيْهَا } أي إلا في حال كونه مكتوباً عليها لا على غيرها.

قوله: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } أي ولا غير وازرة، وإنما قيد بالوزارة موافقة لسبب النزول، وهو أن الوليد بن المغيرة كان يقول للمؤمنين: اتبعوا سبيلي أحمل عليكم أوزاركم، وهو وازر. قوله: { وِزْرَ أُخْرَىٰ } إن قلت: كيف هذا مع قوله تعالى:وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [العنكبوت: 13]، وقوله عليه الصلاة والسلام: " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " ؟ أجيب بأن ما هنا محمول على من لم يتسبب فيه بوجه، وفي الآية الأخرى والحديث محمول على من تسبب فيه، فعليه وزر المباشرة، ووزر التسبب، ووزر الفاعل لا يفارقه. قوله: { فَيُنَبِّئُكُمْ } أي يخبركم ويعلمكم. قوله: { بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } أي من الأديان والملل. قوله: (أي يخلف بعضكم بعضاً فيها) أشار بذلك إلى أن إضافة خلائف للأرض على معنى في.

قوله: { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ } أي خالف بين أحوالكم، حيث جعل منكم الحسن والقبيح، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والقوي والضعيف، { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } وليس عجزاً عن مساواتكم، فإنه منزه عنه سبحانه. قوله: (ليختبركم) أي يعاملكم معاملة المختبر، وإلا فلا يخفى عليه شيء. قوله: (أي أعطاكم إياه) أي من الغنى والفقر، ليتبين الصابر والشاكر من غيرهما. قوله: { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } إن قلت: إن الله حليم لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، فكيف وصف بكونه سريع العقاب؟ أجيب: بأن كل آت قريب، أو المعنى سريع العقاب إذا جاء وقته، وأكد الجملة الثانية هنا باللام، وفي الأعراف الجملتين، لأن الوعيد المتقدم هنا، أخف من الوعيد المتقدم هناك، فالوعيد هنا هو قوله:وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } [الأنعام: 160]، وأما في الأعراف فهو قوله:وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [الأعراف: 165]، وقوله:كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [الأعراف: 166]، فالمقام هنا لغلبة الرحمة، فلذلك أكدت دون العقاب، وأما هناك فالمقام لهما، فلذلك أكدا معاً. قوله: { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } جعل خبر إن في هذه الآية من الصفات الذاتية الواردة على بناء المبالغة، وأكده باللام، وجعل خبر إن السابقة، صفة جارية على غير من هي له، للتنبيه على أنه تعالى غفور رحيم بالذات مبالغ فيهما، ومعاقب بالعرض، مسامح في العقوبة، ومعنى بالذات مغفرته ورحمته لا تتوقف على تأهل من العبد، ومعنى بالعرض أن عقابه لا يكون إلا بعد صدور ذنب فتأمل.