قوله: { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } تفصيل لبيان محاسن الجنة، كيفية أنهارها المتقدمة في قوله:{ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [محمد: 12]. قوله: { ٱلْجَنَّةِ } (أي صفة) أشار بذلك إلى أن المراد بالمثل الصفة، فكأنه قال: وصف الجنة كذا وكذا، فليس في الكلام مشبه ومشبه به. قوله: { ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } المراد من لم يحكم الشرع بكفره، فيشمل عصاة المؤمنين، وأهل الفترة، وأولاد الكفار، الذين ماتوا قبل البلوغ. قوله: (المشتركة بين داخليها) أي فهو بيان لمطلق نعيم الجنة، المشترك بين أعلى أهل الجنة وأدناهم، وأما تفصيل ما لكل فريق، فسيأتي في سورة الواقعة. قوله: (خبره) { فِيهَآ أَنْهَارٌ } الخ، فيه أن الخبر جملة حالية من رابط يعود على المبتدأ. وأجيب: بأن الخبر عين المبتدأ في المعنى، وحينئذ فلا يحتاج لرابط، وهذا أسهل الأعاريب، وقيل: إن { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } مبتدأ، خبره { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } وفي الكلام حذف مضاف وهمزة الإنكار، والتقدير: أمثل أهل الجنة، كمن هو خالد في النار، وقوله: { فِيهَآ أَنْهَارٌ } إما حال من { ٱلْجَنَّةِ } ، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي هي { فِيهَآ أَنْهَارٌ } وقيل غير ذلك. قوله: { غَيْرِ ءَاسِنٍ } (بالمد والقصر) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (كضارب) أي ففعله أسن يأسن، كضرب يضرب، وقوله: (وحذر) أي ففعله أسن يأسن، كحذر يحذر. قوله: { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } أي فلا يعود حامضاً، ولا مكروه الطعم. قوله: { لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } أي ليس فيه حموضة ولا مرارة، ولم تدنسها الأرجل بالدوس، ولا الأيدي بالعصر، وليس في شربها ذاهب عقل، بل هي لمجرد الالتذاذ. إن قلت: لم لم يقل في جانب اللبن لم يتغير طعمه للطاعمين، وفي العسل مصفى للناظرين؟ أجيب: بأن اللذة تختلف باختلاف الأشخاص، فرب طعام يلتذ به شخص ويعافه الآخر، فلذا قال { لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } بأسرهم، ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا فقال { لَّذَّةٍ } أي ليس في خمر الآخرة كراهة طعم، وأما الطعم واللون فلا يختلفان باختلاف الناس، فلم يكن للتصريح بالتعميم مزيد فائدة. قوله: (لذيذة) أشار بذلك لدفع ما قيل إن { لَّذَّةٍ } مصدر بمعنى الالتذاذ، فلا يصح وصف الخمر به، لكونها اسم عين. فأجاب المفسر بأنها تؤول بالمشتق على حد: زيد عدل. قوله: { مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } يجوز في العسل التذكير والتأنيث، والقرآن جاء على التذكير قوله: (يخالطه الشمع وغيره) أي كفضلات النحل. قوله: { وَلَهُمْ } خبر مقدم، وقوله: { فِيهَا } متعلق بما تعلق به الخبر، والمبتدأ محذوف قدره بقوله: (أصناف) وقوله: { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } نعت للمبتدأ المحذوف، والمعنى: لهم في الجنة أنواع متعددة من كل الثمرات، فالتفاح أنواع، والرمان أنواع، وهكذا. قوله: (فهو راض عنهم) الخ، دفع بذلك ما يقال: إن المغفرة تكون قبل دخول الجنة، والآية تقتضي أنها فيها.