الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }

قوله: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } إلخ، وقيل: نزلت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي جمع تلك الأوصاف، لأن الداعين إلى الله تعالى أقسام، فمنهم الداعون إلى الله بالتوحيد قولاً، كالأشعري والماتريدي ومن تبعهما إلى يوم القيامة، وفعلاً كالمجاهدين، ومنهم الداعون إلى الله بالأحكام الشرعية، كالأئمة الأربعة ومن على قدمهم، ومنهم الداعون إلى الله تعالى، بزوال الحجب الكائنة على القلوب لمشاهدة علام الغيوب، بحيث يكون دائماً في حضرة الله، ليس في قلبه سواه، كالجنيد وأضرابه من الصوفية أهل الحقيقة، ومنهم من يدعو إلى الله تعالى بالإعلام بأداء الفرائض، كالمؤذنين، وهذه الأقسام مجموعة في النبي عليه الصلاة والسلام، متفرقة في أصحابه، ثم انتقلت منهم إلى من بعدهم، وهكذا إلى يوم القيامة، لقوله في الحديث الشريف: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، ولا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " قوله: (بالتوحيد) أي وفروعه وإنما خصه لأنه رأس الأمور وأساسها.

قوله: { وَعَمِلَ صَالِحاً } أي امتثل أمر ربه واجتنب نواهيه، وحيث كان داعياً إلى الله، مع اتصافه بالعمل الصالح، كان قوله مقبولاً، ويؤثر في القلوب، وأما من كان بخلاف ذلك، فلا يكون قوله مقبولاً، ولا يؤثر في القلوب، ولا تنبغي صحبته، قال العارف: لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله، وقال بعضهم:
أنتهي الناس ولا تنتهي   متى تلحق القوم يا لكع
ويا حجر السن ما تستحي   تسن الحديد ولا تقطع
فمن لم يؤثر كلامه في نفسه، فلا يؤثر في غيره بالأولى. قال بعضهم:
يا أيها الرجل المعلم غيره   هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا   كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيبها   فإذا أنتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويشتفى   بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله   عار عليك إذا فعلت عظيم
وبالجملة، فالدعوة إلى الله لا تنفع إلا من قلب ناصح، وأعظم الداعين إلى الله تعالى الأولياء المسلكون، الذين يوصلون الخلق إلى طريق الحق، وهم موجودون في كل زمن، غير أنه لا يجتمع بهم ولا يعرفهم، إلا من لحظه الله تعالى بفضله، كما قال بعض العارفين: الأولياء عرائس مخدرة، ولا يرى العرائس المجرمون، نفعنا الله بهم أجمعين. قوله: { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي تحدثاً بنعمة ربه، وفرحاً بالإسلام. قوله: { وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } يحتمل أن { لاَ } زائدة للتوكيد، لأن الاستواء لا يكون من واحد، بل من اثنين، كأنه قال: لا تستوي مراتب الحسنات، بل بعضها أعلى من بعض، ولا تستوي مراتب السيئات، بل بعضها أعلى من بعض، فأعلى الناس من ارتكب أعلى الحسنات، وأدنى الناس من ارتكب أعلى السيئات، وهذا ما مشى عليه المفسر.

السابقالتالي
2