الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ }

قوله: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } إلخ، أجمل المفسر في القصة. وحاصل تفسيرها على ما رواه وهب بن منبه قال: سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون، وبها ملك عظيم الشأن، ولم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر، وكأن الله تعالى قد أتى سليمان في ملكه سلطاناً لا يمتنع عليه شيء في برد ولا بحر، وإنما يركب إليه الريح، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء، حتى نزل بجنوده من الجن والإنس، فقتل ملكها وسبى ما فيها، وأصاب فيما أصاب بنتاً لذلك الملك يقال لها جرادة، لم ير مثلها حسناً ولا جمالاً، فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام، فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه، وأحبها حباً لم يحب مثله أحداً من نسائه، وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها، فشق ذلك على سليمان فقال لها: ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ؟ قالت: إن ربي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك، فقال سليمان، فقد أبدلك الله به ملكاً هو أعظم من ذلك؟ قالت: إن ذلك كذلك، ولكنني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن، فلو أنك أمرت الشياطين، فصوروا لي صورته في داري التي أنا فيها، أراها بكرة وعشية، لرجوت أن يذهب ذلك حزني، وأن يسلي عن بعض ما أجد في نفسي، فأمر سليمان الشياطين فقال: مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئاً، فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه، إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه حين صنعوه، فألبسته ثياباً مثل ثيابه التي كان يلبسها، ثم كانت تصنع في ملكه أي أبيها، وتروح في كل عشية بمثل ذلك، وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحاً، وبلغ ذلك إلى أصف بن برخيا، وكان صديقاً له، وكان لا يرد عن أبواب سليمان أية ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل سواه، كان سليمان حاضراً أو غائباً، فأتاه وقال: يا نبي الله، إن غير الله يعبد في دارك منذ أربعين صباحاً في هوى امرأة، فقال سليمان: في داري؟ قال في دارك، قيل: فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم رجع سليمان إلى داره، فكسر ذلك الصنم وعاتب تلك المرأة وولائدها، ثم أمر بثياب الظهيرة فأتى بها، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها إلا الأبكار، ولا يغسلها إلا الأبكار، لم تمسها يد امرأة قد رأت الدم، فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، وأمر برماد ففرش له، ثم أقبل تائباً إلى الله تعالى، حتى جلس على ذلك الرماد، وتمعك به في ثيابه تذللاً إلى الله تعالى، وتضرعاً اليه يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع إلى داره، وكانت له أم ولد يقال لها الأمينة، كان إذا دخل الخلاء، أو أراد إصابة امرأة من نسائه، وضع خاتمه عندها حتى يتظهر، وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر، وكان ملكه في خاتمه، فوضعه يوماً عندها ثم دخل مذهبه، فأتاها شيطان اسمه صخر المارد ابن عمير في صورة سليمان، لا تنكر منه شيئاً، فقال: يا أمينة خاتمي، قالت: من أنت؟ قال: سليمان بن داود، فقالت: كذبت قد جاء سليمان وأخذ خاتمه، وهو جالس على سرير ملكه، فعرف سليمان أن خطيئته أدركته، فخرج وجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل ويقول: أنا سليمان بن داود، فيحثون عليه التراب ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون يزعم أنه سليمان، فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب السوق ويعطونه كل يوم سمكتين، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة، ويشوي الأخرى فيأكلها، فمكث على ذلك أربعين صباحاً، عدة ما كان يعبد بعد الوثن في داره، ثم إن آصف وعظماء بني إسرائيل، أنكروا حكم عدو الله الشيطان في تلك المدة، فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيتم؟ فقالوا: نعم، فلما مضى أربعون صباحاً، طار الشيطان عن مجلسه، ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه، فأخذته سمكة فأخذها بعض الصيادين، وقد عمل له سليمان صدر يومه، فلما أمسى أعطاه سمكتيه، فباع سليمان أحدهما بأرغفة، وبقر بطن الأخرى ليشوبها، فاستقبله خاتمه في جوفها، فأخذه وجعله في ديه وخر الله ساجداً، وعكف عليه الطير والجن، وأقبل الناس عليه، وعرف أن الذي دخل عليه من أحل ما حدث في داره، فرجع إلى ملكه، وأظهر التوبة من ذنبه، وأمر الشياطين أن يأتوه بصخر المارد، فأتى به فأدخله في جوف صخرة وسد عليه بأخرى، ثم أوقفها بالحديد والرصاص، ثم أمر به فقذف به في البحر، فهو باق فيها إلى النفخة، وسيأتي رد تلك القصة، وأنها من موضوعات الأخباريين.

السابقالتالي
2 3