الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } اختلف في المراد بالأمانة، فأحسن ما قيل فيها: إنها التكاليف الشرعية، وقيل: إنها قواعد الدين الخمس، وقيل: هي الودائع، وقيل: الفرج، وقيل: غير ذلك، روي أن الله تعالى قال للسماوات والأرض والجبال: أتحملن هذه الأمانة بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قال: إن أحسنتن جوزيتن، وإن عصيتن عوقبتن، قلن: لا يا رب نحن مسخرات لأمرك، لا نريد ثواباً ولا عقاباً، وقلن ذلك خوفاً وخشية وتعظيماً لدين الله لئلا يقمن بها، لا معصية ولا مخالفة لأمره، وكان العرض عليهن تخييراً لا إلزاماً، ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها. قوله: (من الثواب) بيان لما، أي عرضناها مع الثواب والعقاب على السماوات إلخ. قوله: (بأن خلق فيها فهماً) أي حتى عقلت الخطاب، وقوله: (ونطقاً) أي حتى ردت الجواب.

قوله: { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } أي استصغاراً أو خوفاً من عدم الوفاء بها، فليس إباؤهن كإباء إبليس من السجود لآدم، لأن السجود كان فرضاً، والأمانة كانت عرضاً، وإباؤه استكباراً، وإباؤهن استصغاراً. قوله: { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } أي خفن من عدم القيام بها وعدم أدائها. قوله: { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } عطف على محذوف تقديره فعرضناها على الإنسان فحملها. قوله: (بعد عرضها عليه) روي أن الله عز وجل قال لآدم: إن عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها. فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب وما فيها؟ قال: إن أحسنت جوزيت، وإن أسأت عوقبت، فحملها آدم فقط: بين أذنب وعاتقي، قال الله تعالى: أما إذا تحملت فسأعينك، وأجعل لبصرك حجاباً، فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل، فأرخ عليه حجابه، وأجعل للسانك لحيين وغلاقاً، فإذا خشيت فأغلق عليه، واجعل لفرجك لباساً، فلا تكشفه على ما حرمت عليك، قال مجاهد: فما كان بين أن تحملها، وبين أن أخرج من الجنة، إلا مقدار ما بين الظهر إلى العصر.

قوله: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } (لنفسه) أي حيث حملها ما لا تطيقه، وقوله: { جَهُولاً } (به) أي بما حمله، وقيل مجهولاً بقدر ربه، لأنه لا يعلم قدر غيره، وهذا يناسب تفسير الإنسان بآدم، وعود الضمير عليه، وإن أريد بالضمير ما يشمله وأولاده، فيكون في الكلام استخدام، فيقال في الأنبياء والصالحين منهم كذلك، وفي غيرهم الظلم والجهل، من حيث خيانته في الأمانة ومجاوزته حد الشرع.

قوله: { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ } اللام للعاقبة والصيرورة على حدوَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]. قوله: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } (للمؤمنين) أي حيث عفا عما سلف منهم. قوله: { رَّحِيماً } (بهم) أي حيث أثابهم وأكرمهم بأنواع الكرامات، وحكمة اخبار الأمة بما حصل من تحمل آدم الأمانة ليكونوا على أهبة، ويعرفوا أنهم متحملون أمراً عظيماً لم تقدر على حمله الأرض والسماوات والجبال، وقيل في حق المعصوم: إنه كان ظلوماً جهولاً.