الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ }

قوله: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } سبب نزولها هي وآية لقمان والأحقاف، أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، والسابقين إلى الإسلام، لما أسلم آلت أمه حمنة بنت أبي سفيان، أن لا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بسقف، حتى تموت أو يكفر سعد بمحمد، فأبى سعد أن يطيعها، فصبرت ثلاثة أيام، لا تأكل ولا تشرب ولا تستظل، حتى غشي عليها، فأتاها وقال لها: والله لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً، ما كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت، فنزلت الآية بالوصية عليها، وإنما أمر الله الاولاد ببر والديهم دون العكس، لأن الأولاد جبلوا على القسوة وعدم طاعة الوالدين، فكلفهم الله يما يخالف طبعهم، والآباء مجبولون على الرحمة والشفقة بالأولاد، فوكلهم لما جبلوا عليه. قوله: (أي إيصاء ذا حسن) أشار بذلك إلى أن حسناً صفة لمصدر محذوف على حذف مضاف، ويصح أن يبقى مصدريته مبالغة على حد: زيد عدل قوله: (بأن يبرهما) أي يحسن إليهما، وأوجه البر كثيرة جداً منها: لين الجانب والخدمة وبذل المال لهما وطاعتهما في غير معاصي الله وغير ذلك.

قوله: { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي } أتى هنا باللام، وفي لقمان بعلى حيث قال:وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي } [لقمان: 15] لأن ما هنا موفق لما قبله في قوله:وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } [العنكبوت: 6] وما في لقمان ضمن { جَاهَدَاكَ } معنى حملاك. قوله: { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } { مَا } مفعول تشرك، أي إلهاً لا علم لك به. قوله: (موافقة للواقع) علة لمحذوف تقديره ذكر هذا القيد موافقة للواقع، أي أن الواقع أن الإله واحد، فليس إله لك به علم، وإله لا علم لك به، وأما الأصنام فإشراكها مع الله في العباة هزؤ وسخافة عقل، إذ لو تأمل الكافر أدنى تأمل، ما علم إلهاً غير الله ولا ظنه ولا توهمه. قوله: { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } فيه وعد حسن لمن بر بوالديه واتبع الهدى، ووعيد لمن عق والديه واتبع سبيل الردى. قوله: { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي بالصالح والسيئ، فيترتب على كل جزاؤه.

قوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الخ، { ٱلَّذِينَ } اسم موصول مبتدأ، و { آمَنُواْ } صلته، وقوله: { لَنُدْخِلَنَّهُمْ } الخ، خبره. قوله: (بأن نحشرهم معهم) أي يوم القيامة، بل ويجتمعون بهم في البرزخ، فإذا مات المؤمن الصالح، اجتمعت روحه بمن أحب من الأنبياء والأولياء حتى تقوم القيامة، فحينئذ يكون موافقاً لهم في الدرجات العالية، قال تعالى:إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } [النساء: 31].