الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله: { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا } غاية لمحذوف، أي فساروا مشاة على الأرض وركباناً حتى إذا أتوا، الخ. قوله: (نملة صغار) أي وهو المعروف، وقوله: (أو كباراً): أي كالبخاتي أو الذئاب. قوله: (قالت نملة) قيل اسمها طاخية وقيل جرمى، وحكى الزمخشري عن أبي حنيفة رضي الله عنه ألف وقف على قتادة وهو يقول: سلوني، فأمر أبو حنيفة شخصاً سأل قتادة عن نملة سليمان، هل كانت ذكراً أو أنثى؟ فلم يجب، فقيل لأبي حنيفة في ذلك فقال: كانت أنثى واستدل بلحاق العلامة، قال بعضهم: وفيه نظر لأن لحاق التاء في قالت، لا يدل على أنها مؤنثة، لأن تاءه الواحدة لا للتأنيث، وحينئذ فيصح أن يقال: نملة، قالت نملة، وما استدل به أبو حنيفة يفيد الظن لا التحقيق. قوله: (وقد رأت جند سليمان) أي من ثلاثة أميال بدليل قوله الآتي، وقد سمعه من ثلاثة أميال.

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ } الخ، اشتمل هذا القول على أحد عشر نوعاً من البلاغة، أولها النداء بيا، ثانيها لفظ أي، ثالثها التنبيه، رابعها التسمية بقولها: { ٱلنَّمْلُ } ، خامسها الأمر بقولها: { ٱدْخُلُواْ } سادسها التنصيص بقولها: { مَسَاكِنَكُمْ } ، سابعها التحذير بقولها: { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } ثامنها التخصيص بقوله: { سُلَيْمَانُ } ، تاسعها التعميم بقوله: { وَجُنُودُهُ } عاشرها الإشارة بقوله: { وَهُمْ } ، حادي عشرها العذر بقولها: { لاَ يَشْعُرُونَ }. وكانت تلك النملة عرجاء ذات جناحين، وهي من جملة الحيوانات العشرة التي تدخل الجنة وهي: براق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدهد بلقيس، ونملة سليمان، وعجل إبراهيم، وكبش ولده، وبقرة بني إسرائيل، وكلب أهل الكهف، وحمار العزير، وناقة صالح، وحوت يونس، وروي أن سليمان قال لها: لم حذرت النمل، أخفت من ظلمي؟ أما علمت أني نبي عدل، فلم قلت: { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } ، فقالت النملة: أما سمعت قولي: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } مع أني لم أرد حطم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب، خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت، ويفتنن في الدنيا، ويشتغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر، فلما تكلمت مع سليمان، مضت مسرعة إلى قومها فقالت: هل عندكم من شيء نهديه إلى نبي الله؟ قالوا: وما قدر ما نهدي له؟ والله ما عندنا إلا نبقية واحدة، فقالت: حسنة ائتوني بها، فأتوها بها فحملتها بفيها وانطلقت تجرها، وأمر الله الريح فحملتها وأقبلت تشق الجن والإنس والعلماء والأنبياء على البساط، حتى وقفت بين يديه، ووضعت تلك النبقة من فيها في فيه، وأنشأت تقول:
ألم تر أنا نهدي إلى الله ماله   وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله
ولو كان يهدى للجليل بقدره   لأقصر البحر عنه يوماً وساحله
ولكننا نهدي إلى من نحبه   فيرضى بها عنا ويشكر فاعله
وما ذاك إلا من كريم فعاله   وإلا فما في ملكنا من يشاكله
فقال لها: بارك الله فيكم، فهم بتلك الدعوة أشكر خلق الله، وأكثر خلق الله، النمل حيوان معروف شديد الإحساس والشم، حتى إنه يشم الشيء من بعيد ويدخر قوته، ومن شدة إدراكه أنه يفلق الحبة فلقتين خوفاً من الإنبات ويفلق حبة الكزبرة أربع فلق، لأنها إذا فقلت فلقتين نبتت، ويأكل في عامه نصف ما جمع، ويستبقي باقيه عدة. قوله: { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } فيه وجهان، أحدهما أنه نهي، والثاني أنه جواب الأمر. قوله: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } جملة حالية.