قوله: { أَلَمْ تَرَ } الاستفهام لتقرير النفي مع التعجب، والمعنى ألم ينته علمك إلى هذا الذي قابله الله بالجود والاحسان، وقابل مولاه بالكفر والطغيان، وهذا كالدليل لقوله:{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ } [البقرة: 257] الآية. فإن الشيطان طاغوت نمروذ وهو طاغوت غيره ما عدا إبراهيم ومن تبعه قوله: { إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ } لم يصرح باسمه تبكيتا له وإظهار لقبحه. قوله: (جادل) أي مجادلة باطلة وهي مقابلة الحجة بالحجة فإبراهيم يجادل بالحق، ونمروذ يجادل بالباطل. قوله: { فِي رَبِّهِ } أي إبراهيم فبالإضافة للتشريف، أو نمروذ والإضافة لإقامة الحجة عليه حيث نازع خالقه في وصفه. قوله: { أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } مفعول لأجله وهو مجرور باللام لفقد أحد شروطه وهو عدم اتحاد الفاعل، لأن فاعل المحاججة النمروذ وفاعل إيتاء الملك هو الله، قال ابن مالك: وإن شرط فقد. فاجرره بالحرف. وحذف الجار لأن حذفه مطرد مع أن وإن. قوله: (بطره) هو الاستخفاف بآلاء الله. قوله: (بنعم الله) أي وهي ملك الدنيا، لإنه لم يملك إلا أربعة اثنان مسلمان، واثنان كافران سليمان وذو القرنين، والنمروذ وبختنصر. قوله: (وهو نمورذ) أي ابن كنعان حملت به أمه من زنا خوفاً على ملك أبيه من الضياع حيث كان أبوه عقيماً، وهو أول من لبس التاج المكلل، وهذه الواقعة كانت بعد إلقاء إبراهيم في النار، وكان النمروذ قد ملك أقوات الأرض كلها، فكان لا يعطي القوت إلا لمن آمن به، فذهب إبراهيم إليه وطلب منه شيئاً من القوت فامتنع حتى يتبعه، فذهب إبراهيم إلى كثيب من رمل وملأ وعاءه فلما وصل منزله صار دقيقاً فصار يأكل منه هو ومن تبعه. قوله: (بدل من حاج) أي بدل اشتمال. قوله: (لما قال له) ظرف لقوله قال إبراهيم، إي قال إبراهيم ذلك وقت قوله له من ربك. قوله: { أَنَا أُحْيِـي } الضمير قبل أن وحدها والألف زائدة لبيان الحركة في حالة الوقف، وقيل بل وكلها الضمير، والصحيح أن فيه لغتين لغة تميم إثبات ألفه وصلاً ووقفاً، والثانية إثباتها وقفاً وحذفها وصلا. قوله: (غيباً) أي بليداً لا يفهم جواباً ولا يحسن خطاباً، وهو جواب عن سؤال مقدر حاصله أن ما وقع من إبراهيم ليس صناعة المناظرة لأنه كان الواجب إبطال حجة الأحياء والإماتة التي ادعاها اللعين أولاً ثم ينتقل لحجة أخرى، أجاب المفسر بأنه لما رآه غيباً لم يدقق عليه في ذلك وانتقل لحجة أخرى.