الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }

قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } هذه الآية من ثمرات قوله:وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [النحل: 89] حتى قال العلماء: إن لم يكن في القرآن غير هذه الآية، لكفت في البيان والهدى والرحمة، لأنها آمرة بكل خير، ناهية عن كل شر. قوله: (التوحيد) أي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وهذا التفسير وارد عن ابن عباس، وفي رواية عنه أيضاً: العدل خلع الأنداد، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، وأن تحب للمرء ما تحب لنفسك، فإن كان مؤمناً، تحب أن يزداد إيماناً، وإن كان كافراً تحب أن يكون أخاك في الإسلام. وفي رواية: العدل التوحيد، والإحسان الأخلاص، وكل هذا أفاده المفسر بقوله: (التوحيد والانصاف) أي في كل أمور، فالانصاف في التوحيد، اعتقاد أن الله متصف بكل كمال، منزه عن كل نقص، والانصاف في الاعتقاد، نسبة الأفعال كلها لله، ونسبة الكسب للعبيد، خلافاً للجبرية والمعتزلة، فالفرقة الأولى نفت الكسب أصلاً. وقالوا: العبد كالخيط المعلق في الهواء، لا فعل له أصلاً، وتعذيب الله له ظلم، وهؤلاء كفار. والفرقة الثانية قالوا: العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، وهؤلاء فساق، وكلا المذهبين جور، والانصاف نسبة الأفعال كلها لله، خيرها وشرها، ظاهرها وباطنها، ولكن من الأفعال ما هو جبري، وهذه لا كسب للعبد فيها، ولذا لا يثاب عليها ولا يعاقب، ومنها ما هو اختياري، وهذه للعبد فيها نوع كسب، ولذا يثاب عليه إن كان خيراً، ويعاقب عليه إن كان شراً، وهذا مذهب أهل السنة، خرج من بين فرث ودم، لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، والانصاف في العبادات، عدم التفريط والإفراط فيها، بل يكون بين ذلك قواماً، والانصاف في النفقات، أن لا يسرف ولا يقتر، قال تعالى:وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [الإسراء: 29] والانصاف بين عباد الله: يقسم لزوجاته، وينصر المظلوم على الظالم، ويعامل الخلق باللطف والرفق، وغير ذلك.

قوله: { وَٱلإحْسَانِ } أي مع الله ومع عباده، فالإحسان مع الله، أداء فرائضه على الوجه الأكمل، والإحسان مع عباده، أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك،. قوله: (كما في الحديث) أي فقد سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال له عليه الصلاة والسلام: " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، والمعنى أن تعبد الله ملاحظاً لجلاله، كأنك تراه ببصرك، وهذا مقام المشاهدة فإن لم تصل لهذه المرتبة، فلاحظ أنه يراك وأنك في حضرته، وهذا مقام المراقبة، فمثل المشاهد كالبصير الجالس في حضرة الملك، فأدبه من جهتين؛ كونه رائياً الملك، وكون الملك رائياً له، ومثل المراقب كمثل الأعمى الجالس في حضرة الملك، فأدبه من جهة ملاحظته، كون الملك رائياً له.

السابقالتالي
2