الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

قوله: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ } { إِذْ } ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله (اذكر) وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي اذكر لهم قصة إبراهيم، ودعواته لساكني البيت الحرام ولبنيه، لعلهم يعتبرون، فينزجروا عما هم عليه، فإن لم يعتبروا، فقد تعرضوا لما يحل بهم. قوله: { هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ } قال الأشياخ: حكمة تعريف البلد هنا، وتنكيرها في البقرة، أن إبراهيم تكرر منه الدعاء، فما في البقرة كان قبل بنائها، فطلب من الله أن تجعل بلداً، وأن تكون آمناً، وما هنا بعد بنائها، فطلب من الله أن تكون آمنا. قوله: (لا يسفك فيه دم إنسان) أي لا يتمكن منه جبار، بقصد إهانة البيت وأهله، وما وقع من الحجاج، في مقاتلته لابن الزبير، وهدمه للبيت، إنما كان بقصد التعظيم للبيت، بسبب دعواه أن ابن الزبير كان مخطئاً في بنائه البيت على قواعد إبراهيم، وقوله: (لا يسفك فيه دم إنسان) أي ولو قصاصاً، وهو مذهب أبي حنيفة، وإنما يضيق عليه ليخرج، فإذا خرج اقتص منه. قوله: (ولا يظلم فيه أحد) أي ومن تجرأ وظلم فيه، فقد تعرض لعذاب الله، قال تعالى:وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25]. قوله: (ولا يصاد صيده) أي يحرم صيد البر في الحرم، على كل شخص محرماً أو غيره. قوله: (ولا يختلي خلاه) أي لا يقطع حشيشه النابت بنفسه، واستثنى العلماء من ذلك الاذخر والسنا والسواك والعصا وقطع الشجر للبناء محله، لأنه ينبغي توسعته. إن قلت: إن قوله: { ءَامِناً } يعارضه ما روي: أن ذا السويقتين يخرب البيت، ويخيف أهله في آخر الزمان. أجيب: بأن معنى الأمن الطمأنينة، ظاهراً وباطناً، من سطوات الخالق والمخلوق، للحيوان العاقل، وغيره غالباً، فلا ينافي حدوث النوادر من بعض الجبابرة. وأجيب أيضاً: بأن المراد الأمن من الخراب إلى قرب الساعة، فإن ذا السويقتين، يخرب الكعبة قرب الساعة، بعد موت عيسى عليه السلام.

فائدة: قول ابراهيم { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ } الخ، يقتضي أن دأبه الدعاء، وما ورد من قوله حين ألقي في النار: حسبي من سؤالي علمه بحالي، يقتضي أنه لم يكن دأبه الدعاء، فما السر في ذلك؟ أجيب: بأنه كان في زمن إلقائه في النار، في مقام الفناء والسكر، وهو الغيبة عن شهود الخلق بشهود الحق، فلا يشهد أثراً، وفي زمن دعائه في مقام البقاء وجمع الجمع، وهو البقاء بالله بمعنى شهود الآثار بعد شهود مؤثرها، فمقامه في حال دعائه، أعلى وأجل من مقامه في حال تركه له، ولا يقاس بمقامات الأنبياء مقام، بل بدايتهم أعلى وأجل من نهاية غيرهم، فالأولياء وإن عظموا، لا يصلون لأدنى رتب الأنبياء، وأما قول أبي الحسن الشاذلي: واقرب مني بقدرتك قرباً تمحق به عني كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك الخ، فمعناه قرباً يليق بي، لا كقرب الخليل، فقد طلب من الله أن يذيقه قطرة من بحار تجلياته التي تجلى بها على الخليل حتى أسكره، فلم يشهد شيئاً سواه.

السابقالتالي
2 3