الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

قوله: { قُلْ أَعُوذُ } أي أتحصن، والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ويتناول غيره من أمته، لأن أوامر القرآن ونواهيه لا تخص فرداً دون فرد. قوله: { ٱلنَّاسِ } أصله إما أناس حذفت الهمزة، أو نوس مأخوذ إما من ناس إذ تحرك خص بالبشر، لأنه المتحرك الحركة المعتد بها الناشئة عن رؤية وتدبر، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً أو من الإنس ضد الوحشة لأنه يؤنس به؛ أو من النسيان لكونه شأن وطبعه. قوله: (خالقهم) أي موجدهم من العدم. قوله: (خصوا بالذكر) أي وإن كان رب جميع الخلائق. قوله: (تشريفاً لهم) أي من حيث إنه تعالى أخذ لهم ملائكة قدسه، وجعل لهم ما في الأرض جميعاً، وأمدهم بالعقل والعلم وكلفهم بخدمته، فإن قاموا بتلك الوظيفة، كان لهم العز دنيا وأخرى، وإن لم يقوموا بها، ردوا لأسفل السافلين، فلم يساووا كلباً ولا خنزيراً، وإذا علمت بذلك أنه رب الناس، فهو رب الناس، فهو رب غيرهم بالأولى. قوله: (ومناسبته للاستعاذة) الخ، أي فكأنه قال: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم المالك لهم.

قوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } بإسقاط الألف هنا باتفاق القراء، بخلاف الفاتحة ففيها قراءتان سبعيتان ثبوت الألف وحذفها، ومعنى الملك: المتصرف فيهم بأنواع التصرفات، من إعزاز وإذلال وإغناء وإفقار وغير ذلك.

قوله: { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هذا الترتيب بديع، وذلك أن الإنسان أولاً يعرف أن له رباً لما شاهده من أنواع التربية، ثم إذا تأمل، عرف أن هذا الرب متصرف في خلقه، غني عن غيره فهو الملك، ثم إذا زاد تأمله، عرف أنه يستحق أن يعبد، لأنه لا يعبد إلا الغني عن كل ما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه. قوله: (زيادة للبيان) حاصله أنه ورد إشكال وهو: لم كرر لفظ الناس ثانياً وثالثاً، ولم يكتف بضميرهم، مع أن اتحاد اللفظين في اللفظ، والمعنى معيب كالإبطاء في الشعر. فأجاب المفسر بقوله: (زيادة للبيان) وهو جواب خفي، وأحسن منه أن يقال: إن التكرار لإظهار شرف الناس وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، كما أنه حسن التكرار للتلذذ، وإظهار فضل المكرر في قول بعضهم:
محمد ساد الناس كهلاً ويافعاً   وساد على الأملاك أيضا محمد
محمد كل الحسن من بعض حسنه   وما حسن كل الحسن إلا محمد
محمد ما أحل شمائله وما   ألذ حديثاً راح فيه محمد
وهذا تسليم أن المراد بالناس في الجميع شيء واحد، وأما إن أريد بالناس. الأول: الصغار وأضيفوا للرب؛ لاحتياجهم إلى التربية أكثر من غيرهم. وبالثاني: الشباب وأضيفوا للملك، لأن شأنهم الطغيان والطيش، فهم محتاجون لملك يسوسهم ويكسر هيجان شبوبيتهم. وبالثالث: الشيوخ أضيفوا للإله، لأن شأنهم كثرة العبادة، لقرب ارتحالهم وقدومهم على ربهم وفناء شهواتهم، فهم أقرب من غيرهم للتعلق بالإله، فلا اتحاد في المعنى.

السابقالتالي
2 3