الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

قوله: (نزلت هذه السورة والتي بعدها) ألخ، أي بأجماع الصحابة. قوله: (لما سحر لبيد) أي ابن الأعصم، وحاصله أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذلك الحجة، ودخل المحرم سنة سبع، وفرغ من وقعة خيبر، ج اءت رؤساء اليهود إلى البيد بن الأعصم، وكان حليفاً في بني زريق وكان ساحراً، فقالوا: أنت أسحرنا أي أعلمنا بالسحر، وقد سحرنا محمداً فلم يؤثر فيه سحرنا شيئاً، ونحن نجعل لك جعلاً عل أن تسحره لنا سحراً يؤثر فيه، فجعلوا له ثلاثة دنانير، فأتى غلاماً يهودياً كان يخذم النبي، فلم يزل به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة أسنان من مشطه وأعطاه له فسحره بها، وكان من جملة السرح، صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جعلوا في تلك الصورة إبراً مغروزة إحدى عشرة، ووتر فيه إحدى عشرة عقدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة، وكلما نزع إبرة وجد لها ألم في بدنه، ثم يجد بعدها راحة، وكانت مدة سحره صلى الله عليه سلم أربعين يوماً، وقيل: ستة أشهر، وقيل: عاماً، قال ابن حجر وهو المعتمد: إن قلت: كيف يؤثر السحر فيه صلى الله عليه وسلم مع أنه معصوم بنصوَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67]؟ أجيب: بأن المعصوم منه ما أدى لخبل في عقله، أو لضياع شرعه أو لموته، وأما ما عدا ذلك، فهو من الإعراض البشرية الجائزة في حقه، كما أن جرحه وكسر رباعيته، لا يقدح في عصمته، وأنكر بعض المبتدعة حديث السحر، زاعمين أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، وما أدى لذلك فهو باطل، وزعموا أيضاً أن تجويز السحر على الأنبياء، يؤدي لعدم الثقة مما أتوا به من الشرائع، إذ يحتمل أن يخيل إليه أن يرى جبريل يكلمه وليس هو، ثم وهذا كله مردود، لقيام الدليل على ثبوت السحر بإجماع الصحابة، وعصمته صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء، وصدقهم فيما يبلغونه عن الله، وأما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا، فهم كسائر البشر تعتريهم الأعراض، كالصحة والسقم والنوم واليقظة والتألم بالسحر ونحو ذلك، وأما ما ورد في قصة السحر، مع أنه كان يخيل إليه أنه يأتي أهله ولم يأت، فمعناه أنه يظهر له من نشاطه وسابق عادته الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك، كما هو شأن المعقود، وتسمية العامة المربوط لما ورد: أنه حبس عن عائشة سنة، وعن ابن عباس: أنه مرض وحبس عن النساء والطعام والشراب، ففي ذلك دليل على أن السحر، إنما تسلط على ظاهره جسده، لا على عقله، ثم اعلم أن مذهب أهل السنة، أن السحر حق وله حقيقة، ويكون بالقول والفعل، ومن جملة أنواعه: السيمياء وهي حيل صناعية، يتوصل إليها بالاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، ومادته الوقوف على خواص الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاتها، وأكثرها تخيلات، فيعظم عند من لا يعرف ذلك، والحق أنه من الأسباب العادية التي توجد الأشياء عندها لا بها، فيؤثر في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم، وأما قلب الجماد حيواناً وعكسه فباطل لا يتصور، إذ لو قدر الساحر على هذا، لقدر أن يرد نفسه إلى الشباب بعد الهرم، وأن يمنع نفسه من الموت، وهو حرام إن لم يكن بما يعظم به غير الله، أو يعتقد تأثيره بنفسه، وإلا فهو كفر.

السابقالتالي
2 3 4