الرئيسية - التفاسير


* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } * { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } * { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } * { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

قوله: { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } اختلف المفسرون في هذه اللام، فقيل: هي متعلقة بقوله:فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [الفيل: 5] في السورة قبلها، كأنه قال: أهلك أصحاب الفيل لتبقى قريش، وما ألفوا من رحلتي الشتاء والصيف. قال الزمخشري: وهو بمنزلة التضمين في الشعر، وهو أن يعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به، ولهذا جعل أبي بن كعب هذه السورة سورة الفيل واحدة، ولم يفصل بينهما في مصحفة ببسملة، ورد هذا القول بأن الصحابة أجمعت على أنهما سورتان منفصلتان، بينهما بسملة، وقيل: متعلقة بمحذوف تقديره فعل ذلك، أي إهلاك أصحاب الفيل { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } وقيل: تقديره أعجبوا، والمعنى أعجبوا { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } وتركهم عبادة رب هذا البيت، وقيل: متعلقة بما بعدها تقديره: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف، أي لجعلوا عبادتهم شكراً لهذه النعمة، وإنما دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط، كأنه قال: إن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لإيلافهم، فإنها أظهر نعمة عليهم، وعليه درج المفسر، و { قُرَيْشٍ } مشتق إما من التقرش وهو التجمع، سموا بذلك لاجتماعهم بعد افتراقهم، قال الشاعر:
أبونا قريش كان يدعى مجمعاً   به جمع الله القبائل من فهر
أو من التقريش، يقال: قرش يقرش بمعنى فتش، لكونهم كانوا يفتشون على ذوي الخلات ليسدوا خلتهم، قال الشاعر:
أيها الشامت المقرش   عنا رحلتي عند عمرو فهل له ابقاء
وقال ابن عباس: سميت باسم دابة في البحر يقال لها القرش، تأكل ولا تؤكل، وتعلوا ولا تعلى، قال الشاعر:
وقريش هي التي تسكن البحـ   ـر بها سميت قريش قريشا
سلطت بالعلو في لجة البحـ   ـر على سائر البحور جيوشا
تأكل الغث والسمين ولا تتـ   ـرك فيه لذي الجناحين ريشا
هكذا في الكتاب حي قريش   يأكلون البلاد أكلاً كشيشا
ولهم آخر الزمان نبي   يكثر القتل فيهم والخموشا يملأ الأرض خيلة ورجالاً
يحشرون المطلي حشراً كميشا   
وهو مصروف هنا إجماعاً، لكونه مراداً به الحي، إذ لو أريد به القبيلة لامتنع صرفه. سيبويه في معد وثقيف وقريش وكنانة: هذه للإحياء أكثر، وإن جعلتها اسماً للقبائل فهو جائز حسن، واختلف القراء في قوله الإيلاف فبعضهم قرأ لإيلاف بإثبات الياء قبل اللام الثانية، وبعضهم قرأ بحذفها، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني وهو قوله: { إِيلاَفِهِمْ } ، ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين، أن القراء اختلفوا في سقوط الباء وثبوتها في الأول، مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطّاً، واتفقوا على اثبات الياء في الثاني، مع اتفاق المصاحف على سقوطها منه خطّاً، فهو أدل دليل على أن القراءة سنة متبعة مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا اتباعاً لمجرد الخط.

السابقالتالي
2