قوله: { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ } إلخ، متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده، والأصل ليفرحوا، { بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة الحصر، ثم دخلت الفاء لإفادة السببية، والمعنى أن من اتصف بهذه الصفات المتقدمة، ينبغي له أن يفرح ويشكر ما أنعم الله به عليه، ويجود بروحه وجسمه في خدمة ربه ولا يتوانى، فمن قذف الله في قلبه نور محبته، فالواجب عليه إفناء جسمه في خدمته، كي يتم له ذلك النور ويزداد السرور، وهذه المحبة هي التي يعبر عنها العارفون بالخمرة والشراب والحميا، لأن بها السكر والفناء عما سوى الله تعالى، قال العارف رضي الله عنه:
شربنا على ذكر الحبيب مدامة
سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
وقال العارف:
ولا تنظر لجسمي يا عذولي
فإن الجسم مطلوبي سلاه
ولا تنكر شراب حمى قلبي
فإن القلب محبوبي سقاه
وقال العارف موضحاً لهذه الخمرة:
فتلك خمر الشهود تدعى
لا خمرة الكرم والدنان
من ذلك المعنى قوله تعالى:{ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [الجن: 16-17] فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل محبته، وأن يحشرنا في زمرة أهل قربه ومودته. قوله: { هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } أي من الدنيا وزخارفها وأبهمها إشارة إلى أنه خسيسة لا تساوي جناح بعوضة. قوله: (بالياء والتاء) راجع لقوله: { يَجْمَعُونَ } وأما { فَلْيَفْرَحُواْ } فالتاء عشرية والياء سبعية. قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ } أشار المفسر إلى أن { أَرَأَيْتُمْ } بمعنى (أخبروني) وحينئذ فتنصب مفعولين: الأول الموصول وصلته، والثاني جملة { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } و { قُلْ } تأكيد للأولى، وليست من جملة المفعول الثاني. قوله: (كالبحيرة والسائبة) مثالان للحرام، وتقدم أن البحائر والسوائب نعم يوقفونها على الأصنام، يحرمون ظهورها ونتاجها وألبانها ولحومها، وقوله: (والميتة) مثال للحلال. قوله: (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: { أَمْ } (بل) أشار المفسر إلى أنها منقطعة بمعنى (بل) ويصح أن تكون متصلة معادلة للهمزة، والمعنى أخبروني أحصل إذن من الله لكم، أم ذلك افتراء منكم وكذب، فهو استفهام لطلب التعيين وهو الأولى.