الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } * { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } * { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } * { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } * { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

قوله - عز وجل -: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا }:

قد ذكرنا أن حرف { إِذَا } إنما يذكر عن سؤال سبق منهم؛ كأنهم سألوا عن الوقت الذي كانوا يوعدون فيه، وإن لم يذكر السؤال؛ لأنه قد يكون في الجواب بيان السؤال، وفي السؤال بيان الجواب، وإن لم يذكر، فعند ذلك قال: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } ، أخبرهم عن أحوال يوم القيامة والحساب، ولم يخبرهم عن وقتها، وقد ذكرناه في غير موضع.

ثم قوله - عز وجل -: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } ، أي: حركت الأرض تحريكا شديداً؛ لهول ذلك اليوم، وهو يخرج على وجهين:

أحدهما: جائز أن تكون تتزلزل وتتحرك؛ حتى تلقي ما ارتفع منها من الجبال الرواسي في الأودية، حتى تستوي الأرض، لا يبقى فيها هبوط ولا صعود، كقوله - تعالى -:لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [طه: 107].

وجائز أن يكون قوله: { زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ } ، أي: تتزلزل، وتتحرك؛ لتغير الجبال الرواسي حتى تصير كما ذكر:يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [القارعة: 4-5]. وقوله - عز وجل -:فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23] وإذا فنيت وتلاشت بقيت الأرض مستوية على ما ذكر.

ويحتمل أن تكون تتزلزل وتتحرك؛ حتى تصير غير تلك؛ كقوله - تعالى -:يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ... } الآية [إبراهيم: 48].

ويحتمل أن يكون تبديلها وتحريكها ومدها هو تغير صفاتها؛ على ما ذكرنا في الوجهين الأولين.

قال الزجاج: لا تصح هذه القراءة؛ لأن الزلزال من المضاعف، والمضاعف إنما يكون بالخفض مصادرها، أما من الأسماء قد يكون نصبا؛ كقوله تعالى:مِن صَلْصَالٍ } [الحجر: 26]، ونحوه، والزلزال: مصدر؛ فيكون الأصل المطرد فيه هو الكسر، والنصب يكون نادرا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا }.

أي: أحمالها؛ لهول ذلك اليوم، وقال في آية أخرى:وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [الانشقاق: 4]، ثم يحتمل { وَأَخْرَجَتِ } { وَأَلْقَتْ } ما فيها من الموتى من أول ما دفن فيها من كل شيء من الحيوان وغيرها، إلى آخر ما يجعل فيها من الكنوز وغيرها مما يحتمل الحساب، ومما لا يحتمل من البشر، وجميع الممتحنين وغيرهم.

ويحتمل: أخرجت أثقالها: الممتحنين خاصة: ممن يحاسبون، ويثابون، ويجزون.

وقوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا }.

أي: قال الكافر: ما لها تتحرك؟ فقال بعضهم: أحمق في الدنيا، وأحمق في الآخرة؛ حيث يسأل الأرض ما لها تتزلزل وتتحرك؟ يظن أنها بنفسها تفعل ذلك لا لفزعة ما ترى من أهوال ذلك اليوم وتغيير أحوالها؛ على ما لم ينظر في الدنيا في الآيات والحجج حتى يقبلها، ويخضع لها.

وقال بعضهم: هو على التقديم والتأخير؛ كأنه يقول: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ، { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } ، تشهد وتخبر بما عمل على ظهرها.

السابقالتالي
2 3