الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

قوله - عز وجل -: { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ }:

ذكر في حق أهل الكتاب: { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } بحرف { مِنْ } ، وهو للتبعيض، ولم يقل: " أهل الكتاب " ، وذكر في حق أهل الشرك: { وَٱلْمُشْرِكِينَ }؛ لأن أهل الكتاب كانوا فرقا: منهم من كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، ومنهم من كان كافراً به، فلما بعث آمن به، فلزم الإيمان به، ومنهم من كان كافرا به، فلما بعث، وأرسل، لزم الكفر به، ولم يؤمن، فلما كانوا أصنافا وفرقا؛ لذلك قال: { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } بحرف " من ".

وأما المشركون: فإنهم كانوا صنفا واحدا، ثم لم يبين: أنهم إذا أتاهم البينة ينفكون أو لا؟.

وجائز أن يكون قوله - عز وجل -: { لَمْ يَكُنِ... } إلى قوله: { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } ، أي: لم يكن بعض أهل الكتاب وبعض المشركين منفكين من الكفر؛ لأنه عطف المشركين على أهل الكتاب؛ كأنه قال: من أهل الكتاب ومن المشركين؛ ولذلك خفض المشركين، ولم يقل: " والمشركون " ، بل كانوا أهل كفر وشرك إلى آخر عمرهم، وإن أتتهم البينة، والبينة: هي ما في خلقة كل أحد مما يدل على ألوهيته ووحدانيته.

ويحتمل أن بعضا من الفريقين على الشرك حتى تأتيهم البينة، وهي معاينة العذاب عند الموت؛ كقوله - تعالى -:فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا... } [غافر: 84]، ونحو ذلك.

وذكر في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين } ، وفي حرف أبي: { ما كان الذين أشركوا من أهل الكتاب والمشركين }.

ثم اختلف في قوله - عز وجل -: { مُنفَكِّينَ }:

قال بعضهم: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منتهين، زائلين عن الكفر والشرك حتى تأتيهم البينة.

وقال بعضهم: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين خارجين من الدنيا حتى تأتيهم البينة.

ثم اختلفوا في البينة التي ذكر أنها تأتيهم:

قال بعضهم: البينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال على أثره: { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً }.

وقال بعضهم: ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، وما جاء به محمد [رسول الله صلى الله عليه وسلم] من الحجج:

فمن جعل قوله: { مُنفَكِّينَ }: منتهين، زائلين، يجعل البينة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله - عليه السلام - [سمي] بينة؛ لأنه به يعرف [كل] خير وكل إحسان، وبه يتبين الحق من الباطل، وكل شيء من أمر المعاد والمعاش، وكذلك القرآن جاء به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6