الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }: قال أهل التأويل: إن قوله: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، يعني: القرآن.

ويحتمل أن يكون [قوله]: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، يعني: السلام الذي ذكره في آخر السورة، حيث قال: { مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ }:

فمن قال: أنزل القرآن في ليلة القدر، فهم مختلفون فيه:

قال بعضهم: أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا من اللوح المحفوظ في تلك الليلة، وهي في شهر رمضان؛ لقوله:شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ... } [البقرة: 185]، أي: أنزل من اللوح المحفوظ، ثم أنزل من السماء الدنيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفاريق على قدر الحاجة من الأمر والنهي، والحلال والحرام، والمواعظ، وكل ما يحتاج إليه.

وقال بعضهم: إنما أنزل من اللوح المحفوظ في تلك الليلة المقدار الذي يحتاج إليه إلى العام القابل جملة، ثم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما بالتفاريق، والله أعلم.

ثم لا ندري أن تلك الفضيلة التي جعلت لهذه الليلة؛ لفضل عبادة جعلت فيها، امتحن الخلق بأدائها على الترغيب والأدب، أو فضلت لمكان ما امتحن الملائكة وكلفهم بالنزول فيها والعبادة لله في الأرض، وإنزال القرِآن، ونحو ذلك؛ أو لحكمة ومعنى فضلت لم يطلع على ذلك المعنى أحد، وقد جعلت لبعض الأمكنة الفضيلة لعبادات جعلت فيها، نحو ما ذكر: " صلاة واحدة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، [وصلاة واحدة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غيره] سوى المسجد الحرام ".

وقال تعالى -:وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ... } [الجن: 18]، خصت هذه البقاع بالفضيلة على غيرها؛ لعبادات جعلت فيها؛ فعلى ذلك جائز أن يخص بعض الأوقات دون بعض بالفضيلة؛ لمكان عبادات جعلت فيها، لكنْ بيَّن تلك الأماكن، ولم يبين تلك الأوقات المفضلة، وجعلها مطلوبة من بين غيرها من الأوقات؛ فهو - والله أعلم -: أن لو بين، وأشير إليها؛ لكان لا مؤنة تلزم لطالبه في ذلك؛ لأنه يحفظ ذلك الوقت وتلك الليلة خاصة، وأما المكان تلزم المؤنة في إتيان ذلك [المكان]، وعلى ذلك يخرج ما لم يبين وقت خروج روح الإنسان من بدنه؛ لأنه لو بين، وأعلم نهاية عمره، لتعاطى الفسق، وارتكب المعاصي؛ آمنا إلى آخر أجزاء حياته، ثم يتوب؛ فلم يبين؛ ليكون أبدا على خوف وحذر ورجاء؛ فعلى ذلك لم يبين تلك الليلة؛ لتطلب من بين الليالي جميعا؛ ليحيوا ليالي غيرها، والله أعلم.

ثم إن كان السؤال عن القرآن هو المنزل في تلك الليلة، يكون دليله قوله:حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ... } [الدخان: 1-3].

وإن كان السؤال عن ليلة القدر؛ فيكون البيان عنها.

السابقالتالي
2 3 4