الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } * { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } * { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } * { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } * { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } * { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } * { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } * { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب }

قوله - عز وجل -: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ }:

ذكر أهل التأويل أن الذي ينهى: أبو جهل - لعنه الله - { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ }: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه كان يصلي في الحجر، فكان ينهاه أبو جهل؛ فنزل: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ }.

[و] جائز أن يجمع هذا كله في الوعيد الذي ذكره على أثر ذلك، وهو قوله: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ، كأنه قال: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، أرأيت الذي ينهى من كان على الهدى، أو أمر بالتقوى، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهاه ذلك الكافر إذا صلى، وينهاه عن الهدى، وعن الأمر بالتقوى، أرأيت الذي كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولى عن طاعة الله تعالى، ألم يعلم بأن الله يرى؟!

يدخل جميع ما ذكر في هذا الوعيد؛ فيكون [ذلك] جوابا لما تقدم من قوله: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ... } إلى آخر ما ذكر.

وجائز أن يكون جواب قوله: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } مسكوتا عنه؛ ترك للفهم.

ثم قوله: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ، أي: ألم يعلم بأن الله يرى؛ فينتقم [منه] لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

أو: ألم يعلم بأن الله يرى؛ فيدفعه عما هم برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وعيد.

ثم قوله: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } يحتمل وجهين:

أحدهما: قد علم بأن الله يرى جميع ما يقوله، ويفعله، ويهم به، لكنه فعل ذلك على المكابرة والعناد.

والثاني: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } على نفي العلم له بذلك؛ إذ لو علم بأن الله يرى، ويعلم ما يفعله من النهي عن الصلاة والمكر به، لكان لا يفعل ذلك به.

وقوله - عز وجل -: { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ }:

أي: حقا لئن لم ينته عن صنيعه الذي يصنع برسول الله { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } ، أي: لنأخذن بالناصية؛ كأنه عبارة عن الأخذ الشديد، والجر الشديد على الناصية.

ثم يحتمل أن يكون ذلك الوعيد له في الدنيا: أنه لو لم ينته عما ذكر:

فإن كان في الدنيا فتكون السفع كناية عن العذاب، أي: لنعذبن.

وقيل: قد أخذ بناصيته يوم بدر، فألقي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا.

وإن كان في الآخرة، فهو عن حقيقة أخذ الناصية؛ كقوله:وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً... }

السابقالتالي
2