قوله - عز وجل -: { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ }: قال: هذه السور كلها نزلت في محاجة أهل مكة، سوى سورة { وَٱلضُّحَىٰ } و { أَلَمْ نَشْرَحْ }؛ فإنهما جاءتا في تذكير منن الله تعالى لرسوله - عليه السلام -: إحداهما: خاطبه جبريل - عليه السلام - في تذكر ما من عليه، والأخرى خاطبه ربه - جل جلاله - بذلك، وأما غيرهما من السور فإنما جاءت في محاجة أهل مكة. ثم قوله - عز وجل -: { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ }: قسم؛ أقسم تأكيدا للحجج التي أقامها ما لولا القسم لكان ما ذكر يوجب ذلك، [لكن في] القسم تأكيد ما ذكر من الحجة. ثم اختلف أهل التأويل في قوله: { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ }: قال بعضهم: هو التي الذي [يأكله الناس، والزيتون الذي يستخرجون منه الزيت]، كذا روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن قوله: { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ }؟ فقال: تينكم وزيتونكم هذا. وقال بعضهم: هما جبلان بالشام. وقال بعضهم: هما مسجدان في الشام: أحدهما: مسجد دمشق؛ والآخر: مسجد بيت المقدس. وقيل: التين: مسجد أصحاب الكهف، والزيتون: مسجد نبينا عليه السلام. وعن قتادة: أنه قال: التين: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: [الجبل] الذي عليه [مسجد] بيت المقدس. وقال القتبي: التين والزيتون: جبلان بالشام، يقال لهما: طور تيناء، وطور زيتاء؛ بالسريانية، سميا بالتين والزيتون؛ لأنهما ينبتان فيهما. وقوله: { وَطُورِ سِينِينَ } ، قال بعضهم: هو جبل بسينين، والسينين: اسم موضع، والطور الجبل، وكذا قال أبو عوسجة. وقال بعضهم: جبل حسن، و " السينين ": الحسن بالحبشة. وقال بعضهم: كل جبر مشجر، له الثمر، فهو سينين. وقال بعضهم: هو الجبل الذي أوحي عليه إلى موسى - عليه السلام - وهو طور سيناء. وقيل: هو الجبل المبارك. ثم تخرج جهة القسم بالجبل، وبما ذكر على وجوه: أحدها: بما عظم شأن الجبال في قلوب الخلق حيث وصل إليهم أخبار السماء من جهة تلك الجبال، وجميع ما يرجع إلى منافع أنفسهم ودينهم، على ما ذكر أنه أوحي إلى موسى - عليه السلام - على جبل طور سيناء، وأوحي إلى عيسى - عليه السلام - على جبل ساعورا، وأوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم على جبل فاران، على ما ذكر في الخبر أن موسى - عليه السلام - قال: " أتاني ربي من [جبل] طور سيناء، وسيأتي من طور ساعورا، وسيطلع من جبل فاران " ، أي: أتاني وحي ربي من جبل طور سيناء، وسيأتي وحي عيسى - عليه السلام - من جبل ساعورا، ويأتي الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم من فاران ".