الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } * { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } * { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } * { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } * { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } * { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ }.

قال بعضهم: الضحى: هو ضوء النهار، كقوله:وَضُحَاهَا } [الشمس: 1]، أي: ضوءها.

وقال بعضهم: هو ساعة من النهار، وهي [من] أول النهار، ويقال: صلاة الضحى، وهي عند ضحوة النهار.

ومنهم من يقول: هو كناية عن الحر؛ كقوله:أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } [طه: 118] إلى قوله:وَلاَ تَضْحَىٰ } [طه: 119]، أي: لا يصيبك الحر، والله أعلم.

ومنهم من يقول: هو كناية عن النهار كله، أقسم به، وبالليل الذي ذكر.

فإن كان المراد من الضحى هو ضوء النهار، ومن { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ }: ظلمته؛ فيخرج القسم به على أن ظلمة الليل تستر الخلائق كلهم في طرفة عين، وكذلك ضوء النهار يكشف الستر، ويجلي بطرفة عين جميع الخلائق، من غير أن يعلم أحد ثقل ذلك الستر أو خفة ذلك الضوء، فأقسم بذلك لعظيم ما فيهما من الآية.

وإن كان المراد منه نفس الليل والنهار؛ فالقسم بهما لما جعل فيهما من المنافع الكثيرة.

وقوله - عز وجل -: { إِذَا سَجَىٰ } اختلف فيه:

قال بعضهم: إذا استوى.

وقال بعضهم: إذا سكن وركد.

وقال بعضهم: { إِذَا سَجَىٰ }: إذا غشي وأظلم، وغطى كل شيء وستر، وهو من التسجي والتستر؛ يقال: تسجى قبر المرأة؛ إذا تستر وتغطى.

وقوله - عز وجل -: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } على هذا وقع القسم، ثم اختلف في السبب الذي [لأجله] نزل هذا:

قال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان سئل عن شيء إذ طلبوا منه شيئا، فقال: أفعل ذلك غدا، أو أجيبكم عنه غدا، ولم يستثن؛ فاحتبس عنه الوحي أياما لذلك؛ فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه، أي: تركه وأبغضه.

ومنهم من قال: إنه أبطأ عليه الوحي، فجزع جزعا شديدا، فقالت له خديجة - رضي الله عنها -: " إني لأرى قلاك ربك ووعدك "؛ مما ترى من جزعه؛ فنزل قوله: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ }.

ولسنا ندري كيف كان الأمر؟ فإن كان نزل ذلك لقول قريش، فالقسم يحتمل كذلك؛ ردا لقولهم.

والقول الثاني: أنه نزل لقول خديجة - رضي الله عنها - فهو غير محتمل؛ لأن خديجة تعلم أن الله - تعالى - لم يودعه ولا قلاه، وكذا كل مؤمن معتقد أن الله - تعالى - لا يودع أحدا من رسله.

ولأنها تصدق الرسول - عليه السلام - أنه لم يودعه ولا قلاه إذا أخبرها بغير قسم؛ فلا معنى للقسم؛ فدل أن هذا الوجه غير محتمل.

ثم صرف تأويل الآية إلى غير ما قالوا أشبه عندنا وأقرب مما قالوا، وهو أنه - عليه السلام - بعث إلى الفراعنة والجبابرة الذين كانت همتهم قتل من خالفهم، وإهلاك من استقبلهم بالخلاف، ولم يكن معه فضل مال وسعة يستميل به قلوب الناس؛ فيقول أولئك الكفرة: إن ربه قد خذله وتركه وقلاه، حيث بعثه إلى من ذكرنا من الفراعنة والجبابرة الذين كانت همتهم القتل وعادتهم إهلاك من خالفهم بلا أنصار ولا أعوان من الملائكة، ولا مال وسعة يستميل به القلوب والأنفس؛ لأن من سلم إنسانا إلى أعدائه الذين يعلم أنهم أعداؤه، ويخلي بينه وبين الأعداء بلا أنصار وأعوان ولا مال وسعة من الدنيا - يقال: أنه قد خذله وتركه وقلاه؛ إذ لا يفعل ذلك في الأصل إلا لذلك؛ فعند ذلك قالوا: إنه ودعه وقلاه، وهو ما قالوا:

السابقالتالي
2 3 4 5 6