الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } * { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } * { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } * { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } جعل الله - تعالى - الليل والنهار آيتين عظيمتين ظاهرتين مكررتين على الخلائق ما يعرف [كل] كافر ومؤمن، وجميع أهل التنازع الذين ينازعون أهل الإيمان والتوحيد من الجبابرة والفراعنة.

والقسم بالليل والنهار، والقسم بقوله:وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [الضحى: 1-2] واحد.

وقد ذكرنا أن القسم إنما يذكر في تأكيد ما يقع به القسم، ما لولا القسم كان ذلك يوجب دون القسم؛ وذلك لعظم ما فيهما؛ حتى قهرا جميع الفراعنة والجبابرة، وغلبا عليهم في إتيانهما وذهابهما، حتى أن من أراد منهم دفع هذا ومجيء هذا، ما قدروا عليه.

وفيهما دلالة وحدانية الله - تعالى - وألوهيته، وقدرته، وسلطانه، وعلمه، وتدبيره، وحكمته:

أما دلالة وحدانيته وألوهيته: اتساقهما وجريانهما على حد واحد وسنن واحد مذ كانا وأنشئا من الظلمة والنور، والزيادة والنقصان؛ فدل جريانهما على ما ذكرنا أن منشئهما واحد؛ إذ لو كان فعل عدد، لكان إذا جاء هذا، وغلب الآخر، دامت غلبته عليه، وكذلك الآخر يكون مغلوبا أبدا، والآخر غالبا؛ فإذا لم يكن ذلك، دل أنه فعل واحد.

ويدل - أيضا - على أن ليس ذلك عمل النور والظلمة، على ما تقوله الثنوية.

ودل اتصال منافع أحدهما بمنافع الآخر على [أن] ذلك عمل واحد لا عدد.

ودل اتساق ما ذكرنا، ودوامهما على حد واحد على الاستواء أن منشئهما مدبر عليم، عن تدبير وعلم خرج ذلك لا على الجزاف بلا تدبير.

ودل مجيء كل واحد منهما بطرفة عين على أن منشئهما قادر لا يعجزه شيء من بعث ولا غيره.

ودل ما ذكرنا أن فاعل ذلك حكيم، على حكمة خرج فعله، لا يحتمل أن يتركهم سدى لا يأمرهم، ولا ينهاهم، ولا يمتحنهم بأمور.

وكذلك جعل فيما ذكر من الذكر والأنثى من الدلالات والآيات من الازدواج والتوالد والتناسل وغير ذلك.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ }:

قال بعضهم: إن حرف (ما) متى قرن بالفعل الماضي، صار بمعنى المصدر؛ كأنه قال: وخلق الذكر والأنثى؛ فيكون قسما بجميع الخلائق، إذ لا يخلو شيء من أن يكون ذكرا وأنثى.

وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { والذكرِ والأنثى } ، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ كذلك.

وقال بعضهم: (ما) هاهنا بمعنى " الذي "؛ كأنه قال: والذي خلق الذكر والأنثى؛ فيكون على هذا الوجه القسم بالله تعالى، وعلى التأويل الأول بالذكر والأنثى.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ }:

قالوا: على هذا وقع القسم، فإن قيل: إن كلا يعلم من كافر ومؤمن أن سعيهم لمختلف؛ فما الحكمة والفائدة من ذكر القسم على ما يعلم كل ذلك؟

فالوجه فيه - والله أعلم -: [أن] ما يقع لهم بالسعي، وما يستوجبون به لمختلف في الآخرة، وهو جزاء السعي؛ كأنه قال: إن جزاء سعيكم وثوابه لمختلف، وذلك أنهم كانوا يقولون: إن كانت دار أخرى على ما يقوله محمد - عليه الصلاة والسلام - فنحن أحق بها من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كقوله:

السابقالتالي
2 3