الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } * { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } * { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } * { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } * { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } * { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } * { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ }:

هذا يخرج على وجوه:

أحدهما: جائز أن يكون قوله: { عَلَيْنَا } ، أي: لنا، وذلك جائز في اللغة جار؛ كقوله - تعالى -:وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [المائدة: 3]، أي: للنصب، وكقوله - تعالى -:وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [الرعد: 40]، وعَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } [الغاشية: 26]، أي: لنا محاسبتهم، وقوله - تعالى -:وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } [النحل: 9]، أي: لله قصد السبيل، وكقوله - تعالى -:وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } [الأنعام: 30]، أي: لربهم، كما قال:يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [المطففين: 6]، ونحو ذلك كثير أن يكون " علينا " بمعنى " لنا "؛ فيصير كأنه قال: إن لنا للهدى؛ كقوله:أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } [الزمر: 3]، وكقوله:وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [النحل: 52]، يكون فيه إخبار أن الهدى له والدين الخالص له، وأما سائر الأديان - فلما هي سبل الشيطان - ليست لله تعالى.

على هذا جائز أن يخرج تأويل الآية، والوجهان الآخران يخرجان على حقيقة " على " ، لكن أحدهما يخرج ذكر الهدى على إرادة البيان وتبيين الطريق، والآخر على إرادة حقيقة الهدى، الذي هو ضد الكفر ومقابله.

فأما على إرادة البيان؛ فكأنه قال: إن علينا غاية البيان في حق الحكمة والعدل فيما يمتحنون، حتى إن كان التقصير والتفريط فإنما يكون من قبل أنفسهم، لا من قبل الله تعالى، أي: يبين لهم كل شيء غاية البيان ونهايته؛ لتزول الشبهة عنهم، والله أعلم.

ويحتمل وجها آخر، وهو أن يقول: إن علينا هداية من استهدانا واجتهد في طلبها؛ كقوله:وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت: 69].

ووجه آخر: إن علينا إنجاز ما وعدنا على الهدى لمن اهتدى واختاره يخرج تأويل الآية على إرادة البيان من الوجوه التي ذكرنا.

وأما على إرادة حقيقة الهدى الذي هو مقابل الكفر؛ فكأنه قال: إن علينا التوفيق والمعونة والعصمة في حق الإحسان والإفضال، لا على أن ذلك عليه لهم.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: " إن علينا بيان ما للآخرة والأولى؛ كي لا يزول عن قصد الطريق؛ فيهلك نفسه في كل مضيق ".

وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ }:

فهو يخرج على وجهين:

أحدهما: يقول - والله أعلم: إنكم تعلمون أن لنا الآخرة والأولى، وليس لما تعبدون من الأصنام والأوثان [لا آخرة ولا أولى]، فكيف صرفتم عبادتكم عمن له الآخرة والأولى إلى من ليس له [الآخرة والأولى]، على علم منكم بذلك؟ يسفههم في اختيارهم عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى.

والثاني: يقول - والله أعلم -: إن لنا الآخرة والأولى؛ فما بالكم تبخلون بالإنفاق على أنفسكم، وما يرجع منفعته إليكم، بما ليس لكم في الحقيقة، وإنما هو لله تعالى؟! وهذا التأويل صلة قوله - تعالى -:

السابقالتالي
2 3