الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }

قوله - عز وجل -: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا }.

قالوا: تأويله: والشمس وضوئها.

وقيل: وحرها.

وقيل: وبهائها.

وهذا في موضع القسم؛ وذلك لأن الله - تعالى - جعل في الشمس معاني تدل على لطائف حكمته و [عجائب تدبيره، وجعلها في النهاية من البركات، وفي النهاية من الآيات، فمن] عجيب تدبيره أنه جعل نورها بحيث يهلك نور الظل حتى إذا بدت في مكان أذهبت نور الظل، ونور السراج، ونور القمر، وستر نورها الكواكب عن أن ترى، وجعلها بحيث يظهر بها هباء الهواء، فبين أن الهواء ذا هباء؛ ألا ترى أنك إذا نظرت في المشكاة حين سقوط الشمس فيها تبين لك بها هباء الهواء، ولو أراد أحد من الخلائق أن يتدارك المعنى الذي به استنار هذا الشمس كل هذا لم يقف عليه.

ثم من بركتها أن بحرارتها مصالح الأغذية، وبها مصالح النبات، وبها ييبس الحب، وبها تنضج الفواكه.

ومن عجيب تدبيره أنه جعلها بالنائي عن كل شيء له بها صلاح؛ إذ لو دنت منها، لكانت تحرق الأشياء كلها.

ومن آياتها أن جعلت بحيث تسير وتقطع كل يوم مسيرة ألف عام ما يتعذر على الذي خلق للسير والمشي قطع تلك المسافة بمدد كثيرة.

وهي أيضا تظهر جود الرب - جل جلاله - لأن منافعها تعم الخلق كلهم: برهم وفاجرهم، والولي منهم والعدو.

فأقسم الله - تعالى - بها؛ ليزيل عن الكفرة الشبهة التي تعرض لهم في أمر الدين؛ إما في التوحيد، أو في الرسالة، أو في البعث، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }:

جائز أن يتلوها في كل ما ذكرنا في الشمس من المنافع والمعاني؛ فيكون ثانيها في العمل، فإنه يقع به صلاح الأغذية أيضا، وهو ينير أيضا إلا أنه لا ينتهي منتهاها ولا يبلغ مبلغها، والله أعلم.

وقال بعضهم: إذا تلاها، أي: يتلوها في أول ما يهل؛ فإنه إذا وجبت الشمس في آخر اليوم من الشهر تلا غروبها طلوع الهلال.

وقال بعضهم: إنه يتلوها إذا صار بدرا، وفي هذا دلالة أن منشئهما واحد؛ لأن منافعهما تعم الخلق جميعا، ولو لم يكن مدبرهما واحدا، لكانت لا تعم، بل يمنع كل واحد منهما مُنْشَأَه عن إيصال النفع إلى قوم عدوه.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }:

يحتمل أوجها:

يحتمل أن يكون النهار جلى الدنيا.

ويحتمل أن يكون جلى الأرض.

ويحتمل أن يكون جلى الشمس.

ويحتمل أن تكون تجلى الأبصار بنورها عن ظلمة الليل التي يغشاها.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }:

ينصرف إلى الأوجه التي ذكرنا أيضا، أي: يغشى الدنيا، أو الأرض، أو الشمس، أو يغشى الأبصار بظلمتها عن الخلائق، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4