الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

قوله - عز وجل -: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ }:

ولم يبين لمن كذبوا، وقد بينه في آية أخرى فقال:كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 141].

وقوله - عز وجل -: { بِطَغْوَاهَآ } يحتمل وجهين:

أي: لأجل معصيتها وطغيانها؛ إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم وتركهم التفكر في أمره؛ وإلا لو تفكروا فيما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم [لم يجدوا] موضع التكذيب.

والثاني: بأهل طغواها، أي: كذبت ثمود بسبب أهل الطغيان؛ فيكون في هذه الآية إنباء أنهم لم يكذبوا رسولهم بشبهة اعترضت لهم، أو بحجة كانت لهم، بل كذبوه عن عناد منهم، وتيقن منهم برسالته، وذلك أن حجة نبيهم صالح - عليه السلام - جاوزت الحجج؛ لأنهم أوتوا الناقة على سؤال سبق منهم، وعلى تعد منهم في السؤال؛ إذ كان لهم أن يطالبوه بالحجة على دعوى الرسالة، ولم يكن لهم أن ينصوا السؤال على شيء يشيرون إليه، فهم بإشارتهم إلى سؤال الناقة كانوا معتدين فيه.

ثم من حكمة الله - تعالى - أن الحجة إذا كانت على أثر السؤال، ثم ظهر التكذيب من السائلين هو الاستئصال في الدنيا، وقد وجد من أولئك القوم السؤال والتكذيب؛ فعوقبوا بالاستئصال، قال الله - تعالى -:وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً } [الإسراء: 59]؛ فيبين الله - تعالى - المعنى الذي [لأجله] لم يرسل الآيات التي سألت الكفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنهم لو أوتوا، ثم عندوا، استؤصلوا؛ فقد أراد الله - تعالى - إبقاء أمته إلى أن تقوم الساعة، وأرسله رحمة للعالمين، وجعل حجته من وجه فيها رحمة للعالمين، وهي القتال، ووجه الرحمة فيه: أنهم كانوا يمتنعون عن اتباعه؛ لحب الدنيا وشهواتها؛ فكان يمنعهم ذلك عن النظر في حججه وآيات رسالته؛ فكان في الجهاد ما يضيق عليهم المعاش، ويضطرهم إلى النظر في الحجج؛ فيحملهم ذلك على تصديقه والإيمان به؛ فثبت أن في القتال رحمة عليهم.

وقوله - عز وجل -: { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا }.

أي: قام أشقاها، وصار أشقاها بما أحدث من الكفر بعقر الناقة.

وروي عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه -: " ألا أخبرك بأشقى الناس، رجلين؟ " قال: بلى، يا رسول الله. فقال: " أحيمر ثمود، عاقر الناقة، والذي يضرب على هذه - وأشار إلى هامته - حتى يبتل منها هذه، وأشار إلى لحيته " فصار عاقر الناقة أشقى الناس بما ذكرنا.

وجائز أن يكون قاتل علي، صار أشقى الناس؛ لأنه استحل قتله.

السابقالتالي
2