الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } * { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ }

قوله - عز وجل -: { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ }:

اختلف في قوله: { لاَ }:

قال بعضهم: { لاَ } هاهنا في موضع الدفع والرد لمنازعة كانت بين قوم؛ فدفع الله - تعالى - المنازعة من بينهم بقوله: { لاَ } ، وكانت تلك المنازعة معروفة فيما بينهم؛ فترك ذكرها لذلك، كما ذكر الجواب في بعض السور ولم يذكر السؤال؛ لما كان السؤال عندهم معروفا؛ فترك ذكره، وهو كقوله:إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [الزلزلة: 1]، وغير ذلك.

ومنهم من يقول بأن حرف { لاَ } مرة يستعمل في حق الصلة والتأكيد، ومرة في موضع النفي، [و] يظهر مراده بما يعقبه من الكلام: فإن كان الذي يعقبه إثباتا، فهو بحق التأكيد، وإن كان الذي يعقبه من الكلام نفيا فهو في موضع النفي.

ثم الذي عقبه من الكلام إثبات، وليس بنفي؛ فدل أنه في موضع التأكيد؛ فكأنه قال: لأقسم بهذا البلد، ثم كان حقه أن يقول: " لأقسمن بهذا البلد " بإثبات النون، كما يقال: " لأفعلن " ، في اليمين، لكن نون التأكيد قد تذكر في موضع القسم، وقد لا تذكر، قال الله تعالى:وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [النحل: 124]، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } قالوا: أريد بهذا البلد: مكة، فأقسم بها بما عظم شأنها بما سبق ذكرنا له، ولخاصة هي معظمة في أعين أهلها، ثم كان من عادة الكفرة القسم بكل ما يعظمونه؛ فعاملهم الله - تعالى - من الوجه الذي جرت به العادة فيما بينهم؛ ليؤكد ما قصد إليه بالقسم؛ [فيزيل عنه] الشبه التي اعترضت لهم.

وقوله: { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ }:

قال بعضهم: { وَأَنتَ حِلٌّ }: نازلها من الحلول.

وقال بعضهم: وأنت حلال بهذا البلد، والحل والحلال لغتان.

فإن كان على هذا فالحل غير منصرف إلى نفسه؛ وإنما انصرف إلى ما أحل له؛ لأنه لا يجوز أن يكون هو بنفسه حلالا أو حراما؛ فالحل والحرمة إذا أضيفا إلى من له الحل والحرمة فإنما يراد بالحل والحرمة الشيء الذي أحل له، والشيء الذي حرم عليه، لا أن يكون الوصف راجعا إلى المضاف إليه، فإذا قيل: هذا محرم، أريد به أن الأشياء محرمة عليه؛ وإذا قيل: هذا حلال ليس بمحرم أريد به أن الأشياء له حلال، وإذا أضيفا إلى من لا يخاطب بالحل والحرمة، أريد بهما عين ذلك الشيء كقوله: هذا لحم حلال أو صيد حلال، وهذا لحم حرام؛ فيريد أن ذلك اللحم حلال، وذلك الصيد حرام أو حلال.

ثم اختلفوا في الذي أحل له:

فمنهم من صرفه إلى القتال، فقال بأنه أحل له القتال فيها، وذلك يوم فتح مكة.

ومنهم من قال بأنه أحل له الدخول فيها إذا جاء من الآفاق بغير إحرام، ولا يحل ذلك لغيره.

السابقالتالي
2 3 4 5