الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ }

قوله - عز وجل -: { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ }:

قيل: فيه من وجهين:

أحدهما: فهلا اقتحم العقبة.

والثاني: أنه لم يقتحم.

فإن كان على الأول، فمعناه: أن الذي قال: أنفقت مالا لبدا، كيف لا كان إنفاقه في فك الرقبة، وفي الإنفاق على اليتيم والمسكين الذي بلغ به الجهد إلى أن ألصق بالتراب؟ ويكون من جملة من آمن بالله - تعالى - وتواصى بالصبر والمرحمة؛ ليكون من أصحاب الميمنة، ويكسب بذلك الحياة الطيبة في الآخرة دون أن تكون العاقبة في الملاهي وشهوات النفس؛ فلم يحصل لنفسه حمداً ولا أجرا في العقبى، بل صار من أصحاب المشأمة، فيكون ما بعد قوله:أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } [البلد: 6] صلة له وتفسيرا.

وإن كان التأويل على النفي، ففيه تكذيبه فيما زعم أنه أنفق مالا لبدا، فيقول: لو كان على ما يظن، لظهر ذلك، بفك الرقاب والمواساة على اليتيم وعلى المسكين الذي هو ذو متربة؛ فيكون هذا كله صلة قوله - عز وجل -: { أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } أيضا.

ثم قيل: في العقبة من وجهين:

أحدهما: على تحقيق العقبة، وهو أن يكون في النار عقبة لا تجاوز ولا تقطع إلا بما ذكر من فك الرقبة والإطعام في يوم ذي مسغبة، كقوله - تعالى -:سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [المدثر: 17].

وقوله - عز وجل -: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } على تحقيق العقبة، معناه: وما يدريك بم تقطع تلك العقبة؟ ثم بين أنها تقطع بما ذكر من فك الرقبة ونحوه.

وجائز أن يكون على التمثيل لا على التحقق، ووجهه: أنه يشتد عليه تحمل المؤن التي ذكر من فك الرقبة، وإطعام المساكين، ومواساة اليتيم؛ فتكون العقبة كناية عن تحمل المؤن، لا على العقبة نفسها، وهو كقوله:وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ } [الأنعام: 125]، أي: يصير الإيمان عليه في الشدة والثقل كأنه كلف الصعود إلى السماء، ويشتد على الأول تحمل المؤن، كما يشتد عليه قطع العقبة والصعود عليها.

والاقتحام: هو رمي النفس في المهالك.

وقيل: الاقتحام: هو تحمل المؤن:

فإن كان على تحمل المؤن، فوجهه ما ذكرنا: أن كيف لم يتحمل هذه المؤن؛ ليصير من أهل الميمنة؟

وإن كان على الرمي في المهالك؛ فكأنه يقول: قد أهلك نفسه بتركه الإنفاق في الوجوه التي ذكر، والإعراض عن الإيمان بالله تعالى، بتركه فكاك الرقبة.

وروى أبو بكر الأصم في تفسيره خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن رجلا سأله فقال: يا رسول الله، دلني على عمل أدخل به الجنة؛ فأمره بعتق النسمة، وفك الرقبة؛ فقال السائل: أليسا هما واحدا؟ فقال [النبي صلى الله عليه وسلم]: " لا؛ عتق النسمة: أن تعتقها، وفك الرقبة: أن تعين على فكاكها ".


السابقالتالي
2