الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ }.

قال بعضهم من أهل التأويل: المعذرون هم الذين يستأذنون في القعود ولا عذر لهم في ذلك.

وقال الكلبي: المعذرون هم الذين لهم عذر وبهم علة.

وبعضهم قال: المعذرون: هم المعتدون.

[و] روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قرأ " المعذرون " بالتخفيف، وقال: لعن الله المعذِّرين؛ كأنه ذهب إلى أن المعذر هو الذي له عذر، والمعذِّر بالتشديد: الذي لا عذر له؛ لذلك لعن المعذِّر.

قال أبو معاذ: وأكثر كلام العرب المعذر الذي له عذر، وهو قولهم: قد أعذر من أنذر.

وقال أبو عوسجة: - المعذر بالتشديد -: الذي لا يناصح، إنما يريد أن يعذر، ويقال: عذرت في الأمر: إذا لم تبالغ فيه؛ وأعذرت في الأمر، أي: بالغت فيه.

وقال القتبي: المعذرون - بالتشديد -: هم الذين لا يجدون [ما ينفقون]، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه؛ يقال: عذرت في الأمر: إذا قصرت، وأعذرت: جددت.

ثم قال بعض أهل التأويل: دل هذا على أن أهل النفاق كانوا صنفين: صنف كانوا يستأذنون [في] القعود، وصنف لا يستأذنون، ولكن يقعدون بقوله: { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ }.

دلّ قوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } على أن من أهل النفاق من قد آمن، وأن من تاب يقبل ذلك منه؛ لأنه قال: { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ولم يقل: سيصيبهم عذاب أليم.

وقال بعضهم: المعذرون - بالتخفيف -: هم المؤمنون الذين لهم عذر في التخلف، أتوا رسول الله لينظر في أمرهم الأوفق: إن كان الخروج لهم أوفق يخرجون، وإن كان القعود أوفق يقعدون؛ يدل على ذلك الآية التي تتلو هذه وهي قوله - عز وجل -: { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } الآية.

فإن قيل: كيف احتمل أن تكون آية واحدة في فريقين مختلفين، إذا قرئ بالتخفيف فهي في الذين لهم عذر، وإذا قرئ بالتشديد فهي في الذين لا عذر لهم؟

قيل: تصير على اختلاف القراءة كآيتين في حالتين ووقتين مختلفين، إن كان تأويل المعذر بالتشديد هو الذي يعتذر ولا عذر له، والمعذر - بالتخفيف - هو الذي له عذر.

أو كان تأويل إحدى القراءتين على ضد الأخرى كان لهم عذر في حال، ولا عذر لهم في حال أخرى، وإلا لا يحتمل أن تكون القراءتان جميعاً في وقت واحد، وتأويلهما على الاختلاف الذي ذكروا، وهو كقوله:فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } [سبأ: 19] و { رَبَّنَا } بالرفعبَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } [سبأ: 19] أحدهما: على الدعاء، والآخر: على الإيجاب، هما آيتان صارتا آية واحدة لاختلاف القراءة، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3