الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } * { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { وَمِنْهُمْ } يعني: المنافقين { مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } اختلف فيه:

قال بعضهم: { يَلْمِزُكَ } يزورك لمكان الصدقات؛ طمعاً فيها؛ لتعطيهم الصدقات، و { يَلْمِزُكَ } ، أي: يزورك؛ ليسألك من الصدقات، أي: إنما يزورونك لمكان الصدقات لتعطيهم، لا يزورونك ولا يأتونك لمكان الرسالة، أو رغبة في الدين، ولكن لمكان الصدقات، فإن أعطوا منها رضوا عنك ويعظمونك، وإن لم تعطهم إذا هم يسخطون؛ لأن إتيانهم رسول الله وزيارتهم إياه لمكان الصدقة، فإذا لم يعطوا منها شيئاً سخطوا.

ومنهم من قال: قوله: { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } ، أي: يطعن عليك في الصدقات، أو في قسمة الصدقات.

روي عن أبي سعيد الخدري قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً له، فجاءه رجل يقال له: ابن ذي الخويصرة التميمي، قال: اعدل يا رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل أنا؟! " ، فقال عمر - رضي الله عنه -: ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " دعه؛ فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم "؛ لحسن صلاتهم وصيامهم، فيحقر صلاته عند صلاة أولئك، " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " " ذكر حديثاً طويلاً، وهو كأنه كان من الخوارج، وهو الذي قتله علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه.

وقوله - عز وجل -: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ }.

ما آتاهم الله من الرزق، ورسوله من الصدقات.

{ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }.

أي: من دينه ورسوله، وقالوا: حسبنا الله، كان خيراً لهم مما طمعوا في هذه الصدقات، وطعنوا رسول الله في ذلك.

وقال بعضهم: [لو] رضوا ما آتاهم الله ورسوله من فضله مما رزق لهم، لكان خيراً لهم مما فعلوا.

وقال بعض أهل التأويل: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ } من فضله، أي: من الصدقات التي كان أعطاهم رسول الله منها وإلى الله رغبوا، لكان خيراً مما طمعوا في تلك الصدقات، وطعنوا رسول الله، وسخطوا عليه.

ويقرأ و { يَلْمِزُكَ }: برفع الميم.

قال أبو عوسجة: اللمز: العيب؛ يقال له: لماز ولامز، وهماز وهامز.

وقال القتبي: { يَلْمِزُكَ } ، أي: يعيبك ويطعن عليك؛ يقال: همزت فلاناً ولمزته: إذا اغتبته وعبته، وكذلك قول الله:ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [الهمزة: 1].

وقوله - عز وجل -: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ }.

يشبه أن تكون الآية في بيان موضع الصدقة؛ على ما تقدم من الذكر بقوله: { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6