الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

ألا ترى أنه قال في الآية التي تتلو هذه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } ، قال بعضهم: الآية في المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك؛ كقوله:وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ... } [التوبة: 101] الآية، فيفهم ذكر ذلك الوعيد.

وقال بعضهم: الآية في المؤمنين؛ أمروا أن ينفروا في سبيل الله.

{ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ }.

قيل: استثقلتم النفر في سبيل الله وأقمتم.

ويحتمل التثاقل: هو أن يروا من أنفسهم الثقل من غير أن أقاموا؛ كما يقال: يتصامم ويتعامى، من غير أن كان به الصمم والعمى، ولكن لما يرى من نفسه ذلك.

وقال بعض أهل الأدب: قوله: { ٱثَّاقَلْتُمْ }.

أي: تثاقلتم وركنتم إلى المقام، وذلك في القرآن كثير؛ كقوله:حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً } [الأعراف: 38] أي: تداركوا.

وقوله: { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }.

أي: ما متعكم في الدنيا قليل بما وعد أن يمتعكم في الآخرة.

أو أن يقال: متاع الحياة الدنيا من أولها إلى آخر ما تنتهي قليل من متاع الآخرة وكراماتها؛ لأن كرامات الدنيا على شرف الزوال، وكرامات الآخرة على الدوام أبداً.

أو أن يقول: متاع الحياة الدنيا قليل من متاع الآخرة؛ لأن متاع الدنيا ومنافعها تشوبه الآفات والمضرات، ومتاع الآخرة لا تشوبه الآفات والمضرات.

وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... } الآية.

عاتب المؤمنين بالتثاقل بالخروج إلى الأرض، ونهاهم عن الركون إلى الدنيا.

وقوله:إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } [التوبة: 37].

أي: لما أحدث أولئك الملوك من تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله زيادة في كفر أولئك أحدثوا من وقت إحداثهم.

وقوله - عز وجل -:يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [التوبة: 37].

يحتمل وجهين:

يحتمل: { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، أي: يهلك به الذين كفروا، أي: الذين أحدثوا.

ويحتمل: { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، أي: ما أحدثوا أولئك الملوك إنما أحدثوا؛ ليضلوا به الأتباع { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } على ما ذكر في القصة أنهم كانوا يستحلون المحرم عاماً فيصيبون فيه الدماء والأموال، ويحرمونه عاماً فلا يستحلون فيه الدماء والأموال.

وقوله - عز وجل -:لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } [التوبة: 37] قيل: ليوافقوا عدد ما حرم الله؛ كان عندهم أن التحريم إنما كان لعدد الأشهر [لا] للأشهر؛ لما في الأشهر، فحفظوا عدد الأشهر، ولم يحفظوا الوقت، وذلك تأويل قوله:لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ } [التوبة: 37]، أي: زين تأخير المحلل وتقديم المحرموَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

السابقالتالي
2 3 4