الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ }.

وقال في آية أخرى:تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [مريم: 90-91]، أخبر أن السماوات تكاد تتفطر، وتنشق الأرض وتخر الجبال؛ لعظيم ما قالوا في الله - سبحانه - من البهتان والفرية عليه أن له ولداً، ثم بين الذي ذكر ذلك فقال: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ }: فذكر الآية، وأخبر - والله أعلم - أنهم قالوا في الله ما قالوا لوجوه:

أحدها: دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن هؤلاء المتأخرين لم يقولوا هذا، ولكن إنما قال ذلك أوائلهم، لكن كتموا ذلك، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوائلهم قالوا ذلك، وهم كانوا يكتمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله.

والثاني: يخبر رسوله سفه أوائلهم، ويصبره على سفه هؤلاء؛ ليصبر على سفههم وأذاهم.

والثالث: يخبر أنهم مشبهة؛ لأنهم نسبوا المخلوق إليه، وقالوا: إن فلاناً ابنه؛ لما رأوا منه أشياء، فلولا أنهم عرفوا الله بمثل معرفتهم المخلوق وإلا ما قالوا ذلك، ولا اعتقدوا من التشبيه، وغير ذلك، والله أعلم.

وقوله: { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ }.

أى: ذلك قول قالوه بلا حجة ولا برهان كان لهم في ذلك.

أو قالوا ذلك بأفواههم على غير شبه اعترضت لهم تحملهم على ذلك.

وقوله - عز وجل -: { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ }.

يحتمل هذا أن قد كان قبل هؤلاء من قد قال مثل قول هؤلاء [ { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } من الشرك أو الكفر أو غير ذلك من الكذب والافتراء على الله، كقوله:تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [البقرة: 118] بالكفر وكقوله]:كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } [البقرة: 73]، ليس أن يحيي الموتى كلهم إحياء كما أحيا ذلك القتيل بضرب بعض من البقرة، ولكن يحييهم إحياء، [فعلى] ذلك قوله: { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } ] في الكفر نفسه.

ويحتمل: ضاهى قول النصارى قول اليهود، والمضاهاة: المشابهة والإشباه.

وقوله [أيضاً]: { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } ، أي: يشبه النصارى بقولهم لعيسى إنه ابن الله قول اليهود من قبل: عزير ابن الله؛ فضاهى النصارى في عيسى اليهود قبلهم في عزير.

وقوله - عز وجل -: { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }.

هذه الكلمة كلمة اللعن، تستعمل عند مناكير القول والفعل من غير حصول المنفعة.

وقوله: { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } يحتمل: من أين يؤفكون ويفترون على الله على غير شبهة اعترضت لهم.

ويحتمل: { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } ، أي: كيف يؤفكون بلا منفعة تحصل لهم.

السابقالتالي
2 3 4 5