الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } اختلف فيه:

قال بعضهم: النهي عن دخول المسجد الحرام نفسه.

وعندنا أن النهي عن دخول المسجد الحرام نهي عن دخول مكة نفسها للحج وإقامة العبادات؛ دليله وجوه: أحدها: قوله: { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } ولو كان لدخول المسجد، لكان ذلك العام أحق عن المنع في دخوله من غيره.

والثاني: [قوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }.

والثالث: قوله: " ألا لا يحجن بعد العام مشرك " وفي آخر الآية دلالة ذلك؛ لأنه قال:] { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، وخوف العيلة إنما يكون عن دخول مكة؛ لأنه لو كان النهي عن دخول المسجد نفسه، لكان لا خوف عليهم في ذلك؛ لأنهم يحضرون ويدخلون مكة للتجارة، فلا خوف عليهم في ذلك.

أو أن يقال: إنه ذكر المسجد الحرام؛ لما أنهم كانوا يقصدون البيت والحج به، فيكون النهي عن دخول المسجد نهياً عن الحج نفسه، وهو ما روي في الخبر أنه بعث عليّاً في الموسم بأربع، وأمره أن ينادي في الناس ألا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى مدته، فإذا مضت مدته [فإن الله] برئ من المشركين ورسوله، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك.

فالنهي الذي ورد عن دخول المسجد إنما هو نهي عن الحج نفسه، لأن البيت هو الذي يقصد إليه فيه.

ألا ترى أنه قال:وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ... } الآية [آل عمران: 97]، وقال:فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ... } الآية [البقرة: 158]، وقال:وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } ، [الحج: 29] ذكر البيت، وهو المقصود بالحج في الإسلام والكفر جميعاً؛ فعلى ذلك خرج النهي، لكنه ذكر المسجد؛ لما أن البيت فيه.

فإذا كان ما ذكرنا: فإن شئت فاجعل آخر الآية تفسير أولها، وهو قوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، وهو ما ذكرنا أن النهي لو كان لدخول المسجد نفسه دون غيره من البقعة، لكان ليس [عليهم] خوف العيلة؛ لأنهم يدخلون مكة، ويتجرون فيها، ولا يدخلون المسجد.

وإن شئت فاجعل أول الآية تفسير آخرها، وهو قوله: { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } وهو ما ذكرنا.

فإذا كان ما ذكرنا، دل أن المشرك لا يدخل المسجد الحرام، وخبر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - [أيضاً] يدل على ذلك، فأما من كان من أهل الذمة والعبيد منهم: فليسوا - والله أعلم - بداخلين في الآية إذا كانوا ممن لا يحج.

فإن قيل: فقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه نادى: ألا لا يدخل الحرم مشرك، ولم يذكر الحج.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد