قوله - عز وجل -: { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } قال بعضهم من أهل التأويل: ذلك في قوم كان بينهم وبين رسول الله عهد على غير مدة مبينة، فأمر بنقض العهد المرسل وجعله في أربعة الأشهر التي ذكر في قوله: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }. وقال بعضهم: هي في قوم كان لهم عهد دون أربعة أشهر، فأمر بإتمام أربعة أشهر؛ [و] دليله قوله: { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ }. وقال أبو بكر الكيساني: الآية في قوم كانت عادتهم نقض العهد ونكثه؛ كقوله:{ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ } [الأنفال: 56] فأمر [أن يعطي العهد أربعة أشهر التي ذكر في الآية ثم الحرب بعد ذلك. وقال بعضهم: لما نزل قوله: { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } بعث رسول الله] عليّاً إلى الموسم ليقرأه على الناس، فقرأ عليهم: { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } من العهد غير أربعة أشهر { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }. على ما ذكرنا حمل هؤلاء كلهم قوله: { بَرَآءَةٌ } على النقض. وعندنا يحتمل غير هذا، وهو أن قوله: { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } في إمضاء العهد ووفائه، والبراءة هي الوفاء، وإتمامه ليس على النقض؛ [لأنه قال: إلى الذين عاهدتم من المشركين والبراءة إليهم هي الأمان والعهد إليهم، ولو كان على النقض لقال: " من الذين عاهدتم من المشركين " فدل أنه هو إتمام إعطاء العهد إليهم] وإمضاؤه إليهم، [ويؤيد هذا] ما قال بعض أهل الأدب: إن البراءة هي الأمان؛ يقال: كتبت له براءة، أي: أماناً؛ هذا الذي ذكرنا أشبه مما قالوا، أعني: أهل التأويل. وقوله - عز وجل -: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }. أي: سيروا واذهبوا في الأرض { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } أي: في مدة العهد. وقوله - عز وجل -: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ }. أي: اعلموا أن المؤمنين وإن أعطوا لكم العهد في وقت فإنكم غير معجزي الله وأولياءه، ولا فائتين عنكم في تلك المدة. { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } الخزي: هو العذاب الفاضح الذي يفضحهم ويظهر عليهم. ويحتمل أن يكون ذلك العذاب والإخزاء الذي ذكر في الآخرة. وقوله - عز وجل -: { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ }. قال القتبي: { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، أي: إعلام، ومنه أذان الصلاة، وهو الإعلام؛ يقال: آذنتهم إيذاناً. وكذلك قال أبو عوسجة. وقوله - عز وجل -: { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } يكون في قوله: { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } دلالة ما قال أهل التأويل من النقض؛ لأن قوله: { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } يكون فيه انقضاء العهد وإتمامه إلى المدة التي ذكر، ويكون ما روي في الخبر [وذكر] في القصة