الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قوله: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ }.

دلت الآية بما نهانا أن نستغفر لمن علمنا أنه من أهل النار؛ لما أن الله لا يغفر له؛ لما علم أنه لا يؤمن، فعلى ما علمنا أنه لا يغفر له لم نستغفر له فلم يجز لنا أن نقول: إنه أراد الإيمان لمن يعلم أنه لا يؤمن أبداً؛ كما لم يجب أن يغفر لمن وجبت له النار، فهذا ينقض على المعتزلة قولهم: إن الله قد أراد لكل كافر الإيمان، لكنه لم يؤمن.

ثم قوله: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ }.

قال بعض أهل التأويل: " إن رسول الله قد استغفر لأحد والديه، وذكر أنه دخل على أبي طالب عمه فدعاه إلى شهادة أن لا إله إلا الله فأبى، ثم استغفر له وقال: لأستغفرن لك ما لم أنه عنه أو كلام نحو هذا، فنزل قوله: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ... } الآية ".

قال الحسن: لا يحتمل أن يكون رسول من رسل الله لا يعلم أن الله لا يغفر للكافر؛ إذ في العقل والحكمة ألا يغفر له والتعذيب له أبداً، وعندنا في الحكمة تعذيب الكافر أبداً وألا يغفر له لوجوه:

أحدها: أن في ذلك تسوية بين العدو ووليه، ومن سوى بين عدوه ووليه فهو ليس بحكيم؛ إذ في الحكمة التمييز بينهما.

والثاني: أنه إذا عبد غير الله معه إنما يعبد غيره لجهله، وتلك الجهالة لا ترتفع أبداً؛ لأنه إذا غفر له فيقع عنده أنه إنما جزى وغفر له لعبادة غير الله.

والثالث: [أنه] لو غفر للكافر لذهبت حكمة الأفعال؛ لأن الأفعال إنما يؤمر بها لعواقب تتأمل:

إما حمداً وإما ذمّاً، فإذا غفر له حمد بأفعال كان الحق له الذم بها، ففي ذلك خروجها عن الحكمة.

وجائز أن يكون رسول الله يستغفر للمنافقين، قبل: أن يتبين له أنهم منافقون، فلما تبين له نفاقهم كف عن استغفاره لهم، فأما أن يستغفر للكافر على علم منه أنه كافر فلا يحتمل، على ما يقوله بعض أهل التأويل: إنه استغفر لعمه ولأحد والديه.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ }.

قال بعضهم: وعدها إياه: الإسلام، فكان استغفاره لأبيه على وعد الإسلام، فإنما كان استغفاره بعد إسلامه.

ألا ترى أنه قال:رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ * رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [إبراهيم: 40-41] فإنما طلب له المغفرة في ذلك اليوم وقد كان وعده الإسلام؛ لذلك كان استغفر له.

ألا ترى أنه تبرأ منه؛ إذ تبين له أنه من أهل النار.

السابقالتالي
2 3