الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ }.

يحتمل قوله: { ٱشْتَرَىٰ } ، أي استام؛ لأن قوله: { ٱشْتَرَىٰ } خبر، ولكن يحتمل الاستيام، أي: استام أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم لله؛ ليجعل لهم الجنة.

ثم بين فقال: { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ }.

ويحتمل أن يكون قوله: { ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ }؛ خبراً عن قوم باعوا أنفسهم وأموالهم؛ كقوله:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [البقرة: 207]، وقوله:يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... } [النساء: 74] الآية، فإذا صاروا بائعين أنفسهم، كان الله - عز جل - مشتريها منهم.

ثم بين أن كيف تباع وكيف تُشترى فقال: { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ } ، أي: يقتلون العدو، { وَيُقْتَلُونَ } أي: يقتلهم العدو.

وقد قرئ الأول بالرفع: فيقتلون، والثاني بنصب الياء، فهو ليس على الجمع أن يَقتلوا ويُقتلوا، ولكن أن يقتلوا العدو أو يقتلهم العدو، أيهما كان، أو يقاتلون العدو وإن لم يقتلوا؛ كقوله:وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 74]، وقال:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... } [الصف: 10-11] الآية؛ سمي الإيمان بالله والمجاهدة في سبيله تجارة، ثم قال: { بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } بحق الوعد لهم فضلاً منه، لا بحق البذل.

ثمّ قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ }.

ذكر شراء أنفسهم وأموالهم منهم، وأنفسهم في الحقيقة لله أن يأخذ منهم أنفسهم وأموالهم، وأن يتلفهم بأي وجه ما شاء، لكنه عامل عباده معاملة من لا ملك له في ذلك، ولا حق؛ كرماً منه [وفضلاً] وجوداً، ووعدهم على ذلك أجراً وبدلاً، وكذلك ما ذكر من القرض له، ووعدهم على ذلك الأجر مضاعفاً، وكذلك ما وعدهم من الثواب فيما يعملون لأنفسهم كالعاملين له؛ حيث قال:جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأحقاف: 14]، وقال:إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [الكهف: 30] ونحوه، وإن كانوا في الحقيقة عاملين لأنفسهم بقوله:إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ... } [الإسراء: 7] الآية، ذكر ما ذكر فضلاً منه وإكراماً؛ إذ هي له في الحقيقة، وهو كما قال:لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } [الحج: 37]، فإنما طلب بذل حق أنفسهم وأموالهم، أو ذكر - والله أعلم - شرى ماله في الحقيقة؛ ليعلم الخلق أن كيف يعامل بعضهم [بعضاً]، وكذلك قال الله:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [البقرة: 245]، عاملهم معاملة من لا حق له في أموالهم وأنفسهم؛ ليعامل الناس بعضهم بعضاً في أموالهم وأنفسهم، كمن لا حق له في ذلك.

السابقالتالي
2 3